التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلۡغَرۡبِيِّ إِذۡ قَضَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلۡأَمۡرَ وَمَا كُنتَ مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (44)

ثم بدأت السورة بعد ذلك فى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفى بيان أن هذا القرآن من عند الله ، وفى بيان جانب من شبهات المشركين ، ثم تلقين الرسول صلى الله عليه وسلم الرد المزهق لها . . لنستمع إلى الآيات الكريمة التى تحكى لنا بأسلوبها البليغ ، هذه المعانى وغيرها فتقول : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي . . }

الخطاب فى قوله - تعالى - : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي . . . } للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد بجانب الغربى : الجانب الغربى لجبل الطور الذى وقع فيه الميقات ، وفيه تلقى موسى التوراة من ربه - تعالى - .

أى : وما كنت - أيها الرسول الكريم - حاضرا فى هذا المكان ، { إِذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر } أى ، وقت أن كلفناه بحمل رسالتنا ، وأنزلنا إليه التوراة ، لتكون هداية ونورا له ولقومه .

{ وَمَا كنتَ } أيضا - أيها الرسول الكريم - { مِنَ الشاهدين } لذلك ، حتى تعرف حقيقة ما كلفنا به أخاك موسى ، فتبلغه للناس عن طريق المشاهدة .

فالمقصود بالآية بيان أن ما بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم عن أخبار الأولين ، إنما بلغه عن طريق الوحى الذى أوحاه الله - تعالى - إليه ، وليس عن طريق آخر .

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : يقول - تعالى - منبها على برهان نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بالغيوب الماضية خبرا كأن سامعه شاهد وراء لما تقدم ، وهو رجل أمى لا يقرأ شيئا من الكتب ، نشأ بين قوم لا يعرفون شيئا من ذلك ، كما أنه لما أخبره عن مريم وما كان من أمرها ، قال - تعالى - : { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } ثم قال - تعالى - { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الغيب نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذا فاصبر }