التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلۡغَرۡبِيِّ إِذۡ قَضَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلۡأَمۡرَ وَمَا كُنتَ مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (44)

قوله تعالى : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ( 44 ) وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ( 45 ) وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( 46 ) وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } .

ذلك برهان من الله يشهد بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصدق رسالته ؛ إذ أخبر قومه بالأحداث الماضية مما هو مستور في بطن الغيب . لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بغيوب سلفت قبل زمانه بدهر طويل ، مع أنه صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، وقد بُعث في أمة لا تقرأ ولا تكتب وهو عليه الصلاة والسلام لم يعلمه إنس ولا جان ، ولم يتلق أيما درس في التاريخ وأخبار السابقين الأولين ، بل تلقى ذلك كله من ربه . لقد تلقى منه الخبر الصادق اليقين الذي أذهل العقول ونبّه إلى حقيقة هذا الرجل الصدوق ، على أنه مرسل من ربه ، وأنه لا ينطق عن الهوى . وذلك كإخباره في القرآن الحكيم عن أخبار السابقين والغابرين ، كقوم نوح وعاد وثمود ولوط وقوم شعيب ، وقصة موسى مع الطاغية فرعون ، ومولد عيسى المسيح من أمه مريم البتول وغير ذلك من أخبار النبيين والمرسلين . وهي أخبار دقيقة ومستفيضة ومفصلة جاءت على أكمل ما يكون عليه القَصَص من الصدق والبيان . وفي ذلكم دليل قاطع على نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم .

وهنا يبين الله في خطابه لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، أنك لم تشهد قصة موسى وهو يكلمه ربه عند الطور بل أخبرك ربك بذلك وحيا ، حتى تبينه للناس وهو قوله : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ } أي ما كنت يا محمد حاضرا بجانب الجبل الغربي أو المكان الغربي الذي وقع فيه الميقات لموسى ؛ إذ أعطاه الله فيه ألواح التوراة { إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ } أي علمناه وعهدنا إليه واحكمنا أمر نبوته بالوحي وإنزال التوراة عليه { وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ } أي لم تكن ؛ إذ ذاك من الحاضرين نزول الوحي إليه حتى تعاين بالمشاهدة ما جرى من أمر موسى في ميقاته فتخبر به الناس . ولكن الله عز وعلا قد أوحى إليك ليكون لك حجة وبرهانا تواجه بهما الناس .