القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىَ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } .
يقول تعالى ذكره : وكما أخذت أيها الناس أهل هذه القرى التي اقتصصت عليك نبأ أهلها بما أخذتهم به من العذاب ، على خلافهم أمري ، وتكذيبهم رسلي ، وجحودهم آياتي ، فكذلك أخذي القرى وأهلها ، إذا أخذتهم بعقابي ، وهم ظلمة لأنفسهم بكفرهم بالله ، وإشراكهم به غيره ، وتكذيبهم رسله . { إنّ أخْذهُ ألِيمٌ } ، يقول : إن أخذ ربكم بالعقاب من أخذه أليم ، يقول : موجع شَدِيدٌ الإيجاع ، وهذا أمر من الله تحذير لهذه الأمة أن يسلكوا في معصيته طريق من قبلهم من الأمم الفاجرة ، فيحلّ بهم ما حلّ بهم من المثلات . كما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن يزيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله يُمْلي » ، وربما قال : «يُمْهِلُ للظّالم ، حَتّى إذَا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » ، ثم قرأ : { وكذلك أخْذُ ربّك إذَا أخَذ القُرى وهِي ظالِمَةٌ } .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : إن الله حذّر هذه الأمة سطوته بقوله : { وكذلك أخْذُ رَبّكَ إذَا أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِمَةٌ إنّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ } .
وكان عاصم الجحدري يقرأ ذلك : { وكذلكَ أخْذُ رَبّكَ إذْ أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِمَةٌ } . وذلك قراءة لا أستجيز بها ، لخلافها مصاحف المسلمين وما عليه قرأة الأمصار .
{ وكذلك } ومثل ذلك الأخذ . { أخذ ربك } وقرئ { أخذ ربك } بالفعل وعلى هذا يكون محل الكاف النصب على المصدر . { إذا أخذ القرى } أي أهلها وقرئ " إذ " لأن المعنى على المضي . { وهي ظالمة } حال من { القرى } وهي في الحقيقة لأهلها لكنها لما أقيمت مقامه أجريت عليها ، وفائدتها الإشعار بأنهم أخذوا بظلمهم وإنذار كل ظالم ظلم نفسه ، أو غيره من وخامة العاقبة . { إن أخذه أليم شديد } وجيع غير مرجو الخلاص منه ، وهو مبالغة في التهديد والتحذير .
وقوله { وكذلك } الإشارة إلى ما ذكر من الأحداث في الأمم ، وهذه آية وعيد تعم قرى المؤمنين ، فإن { ظالمة } أعم من كافرة ، وقد يمهل الله تعالى بعض الكفرة ، وأما الظلمة - في الغالب فمعاجلون ، أما أنه يملي لبعضهم ، وفي الحديث -من رواية أبي موسى - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته » ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة } الآية{[6504]} .
وقرأ أبو رجاء العطاردي وعاصم الجحدري «ربُّك إذا أخذ القرى »{[6505]} ، والجمهور الأعظم : { إذا أخذ القرى } ، وأنحى الطبري على قراءة عاصم هذه{[6506]} ، وقرأ طلحة بن مصرف كذلك ، وهي قراءة متمكنة المعنى ولكن قراءة الجماعة تعطي بقاء الوعيد واستمراره في الزمان ، وهو الباب في وضع المستقبل موضع الماضي .
الإشارة إلى المذكور من استئصال تلك القرى . وهو ما يدل عليه قوله : { أخذ ربك } . والتقدير : وكذلك الأخذ الذي أخذنا به تلك القرى أخذ ربك إذا أخذ القرى . والتشبيه في الكيفيّة والعاقبة .
والمقصود من هذا التّذييل تعريض بتهديد مشركي العرب من أهل مكّة وغيرها .
والظلم : الشرك . وجملة { إنّ أخذه أليم شديد } في موضع البيان لمضمون { وكذلك أخذ ربّك } . وفيه إشارة إلى وجه الشّبه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.