القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِلّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُوَاْ أَنّمَآ أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاّ إِلََهَ إِلاّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مّسْلِمُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه : قل يا محمد لهؤلاء المشركين : فإن لم يستجب لكم من تدعون من دون الله إلى أن يأتوا بعشر سور مثل هذا القرآن مفتريات ، ولم تطيقوا أنتم وهم أن تأتوا بذلك ، فاعلموا وأيقنوا أنه إنما أُنزل من السماء على محمد صلى الله عليه وسلم بعلم الله وإذنه ، وأن محمدا لم يفتره ، ولا يقدر أن يفتريه ، وأن لا إلهَ إلاّ هُوَ يقول : وأيقنوا أيضا أن لا معبود يستحقّ الألوهة على الخلق إلا الله الذي له الخلق والأمر ، فاخلعوا الأنداد والاَلهة وأفردوا له العبادة .
وقد قيل : إن قوله : فإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ خطاب من الله لنبيه ، كأنه قال : فإن لم يستجب لك هؤلاء الكفار يا محمد ، فاعلموا أيها المشركون أنما أنزل بعلم الله . وذلك تأويل بعيد من المفهوم .
وقوله : فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ يقول : فهل أنتم مذعنون لله بالطاعة ، ومخلصون له العبادة بعد ثبوت الحجة عليكم ؟ وكان مجاهد يقول : عني بهذا القول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ قال : لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : وحدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وأنْ لا إلَهَ إلاّ هُوَ فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ قال : لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وقيل : فإنْ لَمْ يَسْتَجُيبُوا لَكُمْ والخطاب في أوّل الكلام قد جرى لواحد ، وذلك قوله : قُلْ فَأْتُوا ولم يقل : فإن لم يستجيبوا لك على نحو ما قد بيّنا قبل في خطاب رئيس القوم وصاحب أمرهم ، أن العرب تخرج خطابه أحيانا مخرج خطاب الجمع إذا كان خطابه خطاب الأتباع وجنده ، وأحيانا مخرج خطاب الواحد إذا كان في نفسه واحدا .
{ فإن لم يستجيبوا لكم } بإتيان ما دعوتم إليه ، وجمع الضمير إما لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم أو لأن المؤمنين كانوا أيضا يتحدونهم ، وكان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم متناولا لهم من حيث إنه يجب أتباعه عليهم في كل أمر إلا ما خصه الدليل ، وللتنبيه على أن التحدي مما يوجب رسوخ إيمانهم وقوة يقينهم فلا يغفلون عنه ولذلك رتب عليه قوله : { فاعلموا أنما أُنزل بعلم الله } ملتبسا بما لا يعلمه إلا الله ولا يقدر عليه سواه . { وأن لا إله إلا هو } واعلموا أن لا اله إلا الله لأنه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره ، ولظهور عجز آلهتهم ولتنصيص هذا الكلام الثابت صدقة بإعجازه عليه ، وفيه تهديد وإقناط من أن يجيرهم من بأس الله آلهتهم . { فهل أنتم مسلمون } ثابتون على الإسلام راسخون فيه مخلصون إذا تحقق عندكم إعجازه مطلقا ، ويجوز أن يكون الكل خطابا للمشركين والضمير في { لم يستجيبوا } لمن استطعتم أي فإن لم يستجيبوا لكم إلى المظاهرة لعجزهم وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعاوضة فاعلموا أنه نظم لا يعلمه إلا الله ، وأنه منزل من عنده وأن ما دعاكم إليه من التوحيد حق فهل أنتم داخلون في الإسلام بعد قيام الحجة القاطعة ، وفي مثل هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر .
لهذه الآية تأويلان : أحدهما أن تكون المخاطبة من النبي صلى الله عليه وسلم للكفار ؛ أي فإن لم يستجب من تدعون{[6272]} إلى شيء من المعارضة ولا قدر جميعكم عليها فأذعنوا حينئذ واعلموا أنه من عند الله ، ويأتي قوله { فهل أنتم مسلمون } متمكناً .
والثاني : أن تكون مخاطبة من الله تعالى للمؤمنين : أي فإن لم يستجب الكفار إلى ما دعوا إليه من المعارضة فاعلموا أن ذلك من عند الله ، وهذا على معنى دوموا على علمكم لأنهم كانوا عالمين بذلك . قال مجاهد : قوله تعالى : { فهل أنتم مسلمون } هو لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
وقوله تعالى : { بعلم الله } يحتمل معنيين :
والثاني : أنه أنزل بما علمه الله تعالى من الغيوب ، فكأنه أراد المعلومات له وقوله : { فهل أنتم مسلمون } تقرير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.