{ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ }أي : وأشياء من هذا القبيل ، الشيء وضده يعاقبون بها . قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لَهِيعة حدثنا دَرّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو أن دَلْوًا من غَسَّاق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا " ورواه الترمذي عن سُوَيْد بن نصر عن ابن المبارك عن رِشْدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن دَرّاج به . ثم قال : " لا نعرفه إلا من حديث رشدين " كذا قال : وقد تقدم من غير حديثه ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث به وقال كعب الأحبار : غساق : عين في جهنم يسيل إليها حُمَة كل ذات حُمَة من حية وعقرب وغير ذلك فيستنقع فيؤتى بالآدمي فيغمس فيها غمسة واحدة فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام ويتعلق جلده ولحمه في كعبيه وعقبيه ويُجَر لحمه كما يَجُر الرجل ثوبه . رواه ابن أبي حاتم .
وقال الحسن البصري في قوله : { وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } ألوان من العذاب . وقال غيره : كالزمهرير والسموم وشرب الحميم وأكل الزقوم والصعود والهوى إلى غير ذلك من الأشياء المختلفة والمتضادة والجميع مما يعذبون به ويهانون بسببه .
وقوله : ( وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ على التوحيد ، بمعنى : هذا حميم وغساق فليذوقوه ، وعذاب آخر من نحو الحميم ألوان وأنواع ، كما يقال : لك عذاب من فلان : ضروب وأنواع وقد يحتمل أن يكون مرادا بالأزواج الخبر عن الحميم والغسّاق ، وآخر من شكله ، وذلك ثلاثة ، فقيل أزواج ، يراد أن ينعت بالأزواج تلك الأشياء الثلاثة . وقرأ ذلك بعضُ المكيين وبعض البصريين : «وأُخَرُ » على الجماع ، وكأن من قرأ ذلك كذلك كان عنده لا يصلح أن يكون الأزواج وهي جمع نعتا لواحد ، فلذلك جمع أخَر ، لتكون الأزواج نَعْتا لها والعرب لا تمنع أن ينعَت الاسم إذا كان فعلاً بالكثير والقليل والاثنين كما بيّنا ، فتقول : عذاب فلان أنواع ، ونوعان مختلفان .
وأعجب القراءتين إليّ أن أقرأ بها : وآخَرُ على التوحيد ، وإن كانت الأخرى صحيحة لاستفاضة القراءة بها في قرّاء الأمصار وإنما اخترنا التوحيد لأنه أصحّ مخرجا في العربية ، وأنه في التفسير بمعنى التوحيد . وقيل إنه الزّمهرير . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، عن مُرّة ، عن عبد الله : ( وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ ) : قال الزمهرير .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، عن مرة ، عن عبد الله ، بمثله .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا معاوية ، عن سفيان ، عن السديّ ، عمن أخبره عن عبد الله بمثله ، إلا أنه قال : عذاب الزمهرير .
حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، عن مرّة الهمداني ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : هو الزمهرير .
حُدثت عن يحيى بن أبي زائدة ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، قال : ذكر الله العذاب ، فذكر السلاسل والأغلال ، وما يكون في الدنيا ، ثم قال : ( وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ ) : قال : وآخر لم ير في الدنيا .
وأما قوله : ( مِنْ شَكْلِهِ ) فإن معناه : من ضربه ، ونحوه يقول الرجل للرجل : ما أنت من شكلي ، بمعنى : ما أنت من ضربي بفتح الشين . وأما الشّكْل فإنه من المرأة ما عَلّقَتْ مما تتحسن به ، وهو الدّلّ أيضا منها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ( وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ ) : يقول : من نحوه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ ) : من نحوه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ ) : قال : من كلّ شَكْلِ ذلك العذاب الذي سمّى الله ، أزواج لم يسمها الله ، قال : والشّكل : الشبيه .
وقوله : ( أزْوَاجٌ ) : يعني : ألوان وأنواع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ ) : قال : ألوان من العذاب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( أزْوَاجٌ ) : زوج زوج من العذاب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( أزْوَاجٌ ) : قال : أزواج من العذاب في النار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.