78- ولم يكن بد من محاولة لتخليص أخيهم أو افتدائه ، رجاء أن تصدق مواثيقهم ليعقوب ، فاتجهوا إلى ترقيق قلب يوسف بحديث الأبوة في شيخوختها وقالوا له : - أيها العزيز - إن لأخينا أباً طاعناً في السن ، فإن رحمته قبلت واحداً منا ليلقى الجزاء بدل ابنه هذا الذي تعلق به قلبه ، وأملنا أن تقبل الرجاء ، فقد جربنا عادتك الكريمة ، وتأكد لنا انطباعكم عن حب الإحسان وعمل المعروف .
ثم حكى - سبحانه - ما قالوا ليوسف على سبيل الرجاء والاستعطاف لكى يطلق لهم أخاهم حتى يعود معهم إلى أبيهم فقال : { قَالُواْ ياأيها العزيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين } .
أى : قال إخوة يوسف له على سبيل الاستعطاف : { ياأيها العزيز } الذي أكرمنا وأحسن إلينا { إن } أخانا الذي أخذته على سبيل الاسترقاق لمدة سنة ، قد ترك من خلفه في بلادنا { أَباً شَيْخاً كَبِيراً } متقدماً في السن ، وهذا الأب يحب هذا الابن حباً جماً فإذا كان ولا بد من أن تأخذ واحدا على سبيل الاسترقاق بسبب هذه السرقة { فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ } حتى لا نفجع أبانا فيه .
وإننا ما طلبنا منك هذا الطلب ، إلا لأننا { نَرَاكَ مِنَ المحسنين } إلينا ، المكرمين لنا ، فسر على طريق هذا الإِحسان والإكرام ، وأطلق سراح أخينا " بنيامين " ليسافر معنا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قالوا}، أي إخوة يوسف ليوسف: {يا أيها العزيز}، وذلك أن أرض مصر صارت إليه، وهو خازن الملك، {إن له}، يعني بنيامين، {أبا شيخا كبيرا} حزينا على ابن مفقود {فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين} إلينا إن فعلت بنا ذلك...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قالت إخوة يوسف ليوسف:"يا أيّها العَزِيزُ"... "إنّ لَهُ أبا شَيْخا كَبِيرا "كَلِفا بحبه، يعنون يعقوب. "فَخُذْ أحَدنا مَكانَهُ "يعنون فخذ أحدا منا بدلاً من بنيامين، وخلّ عنه. "إنّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ" يقولون: إنا نراك من المحسنين في أفعالك...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
(قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ) أرادوا، والله أعلم، أن يرقوا قلبه بهذا (إن له أبا شيخا كبيرا) لما يكون قلب الشيخ لولده الصغير أميل، ويكون عنده آثر وأكثر منزلة (فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) لما أحسن إليهم في الكيل والإنزال في المنزل والضيافة والقرى؛ قد رأوه، وعلموه محسنا.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
استعطفوه بإذكارهم إياه حق أبيهم يعقوب، وأنه شيخ كبير السنّ أو كبير القدر، وأنّ بنيامين أحب إليه منهم، وكانوا قد أخبروه بأن ولداً له قد هلك وهو عليه ثكلان، وأنه مستأنس بأخيه {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} فخذه بدله على وجه الاسترهان أو الاستعباد.
{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} إلينا فأتمم إحسانك. أو من عادتك الإحسان فاجْرِ على عادتك ولا تغيرها.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
لما تعين أخْذ بنيامين وتقرر تركه عند يوسف بمقتضى اعترافهم، شرعوا يترققون له ويعطفونه عليهم، ف {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} يعنون: وهو يحبه حبا شديدا ويتسلى به عن ولده الذي فقده، {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} أي: بدله، يكون عندك عِوَضًا عنه.
{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} أي: من العادلين المنصفين القابلين للخير.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وعندئذ عادوا إلى الموقف المحرج الذي وقعوا فيه. عادوا إلى الموثق الذي أخذه عليهم أبوهم: (لتأتنني به إلا أن يحاط بكم).. فراحوا يسترحمون يوسف باسم والد الفتى، الشيخ الكبير، ويعرضون أن يأخذ بداله واحد منهم إن لم يكن مطلقه لخاطر أبيه؛ ويستعينون في رجائه بتذكيره بإحسانه وصلاحه وبره لعله يلين...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ووصفوا أباهم بثلاث صفات تقتضي الترقيق عليه، وهي: حنان الأبوة، وصفة الشيخوخة، واستحقاقه جبر خاطره لأنه كبير قومه أو لأنه انتهى في الكِبر إلى أقصاه؛ فالأوصاف مسوقة للحث على سراح الابن لا لأصل الفائدة لأنهم قد كانوا أخبروا يوسف عليه السلام بخبر أبيهم...
وجملة {إنا نراك من المحسنين} تعليل لإجابة المطلوب لا للطلب. والتقدير: فلا تردّ سؤالنا لأنّا نراك من المحسنين فمثلك لا يصدر منه ما يسوء أباً شيخاً كبيراً...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
... نادوه بالمنصب مهابة وإجلالا، وتقربا، وذكروا حالهم، وهو أنه له أبا شيخا كبيرا قد تعلق به، وإن أي واحد منهم قابل لأن يكون في الرق مكانه، ولكن يوسف عليه السلام لا يريد أحدا غيره؛ لأنه حبيبه في باطن الأمر وفي ظاهره هو السارق، ويتخذ من الظاهر ذريعة إلى تحقيق الباطن، فباسم الظاهر يقول لإخوته: لا نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده، فلا نأخذ غيره بجريرته، إنا إذا لظالمون، أي إنا معشر الحاكمين نكون إذن ظالمين، إذا أخذنا مكان الجاني غيره، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وكل امرئ بما كسب رهين، وقد أكد الحكم بالظلم على من يأخذ بدل الجاني. ويلاحظ هنا أمران: الأمر الأول: أن ينبوع الشفقة على أبيهم أخذ ينبع من قلوبهم، فقبلوا أن يكون أحدهم في الرق بدل أخيهم المحسود، رفقا بأبيهم، وللعهد الذي أخذ عليهم. الأمر الثاني: أنهم نادوا يوسف بأنه العزيز، ويستفاد من الكلام أنه آل إليه أمر مصر، ويؤيد هذا أن أخبر الله بعد أنه استولى على العرش...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.