ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن هؤلاء المشركين لم ينتفعوا بهذه الأمثال لاستيلاء الجهل والعناد عليهم فقال : { بَلِ اتبع الذين ظلموا أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } .
أى : لم ينتفع هؤلاء الظالمون بهذا المثل الجلى فى إبطال الشرك ، بل لجوا فى كفرهم ، واتبعوا أهواءهم الزائفة ، وأفكارهم الفاسدة ، وجهالاتهم المطبقة دون أن يصرفهم عن ذلك علم نافع { فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ الله } أى : إذا كان هذا هو حالهم ، فمن الذى يستطيع أن يهدى إلى الحق ، من أضله الله - تعالى - : عنه بسبب زيفه واستحبابه العمى على الهدى .
إنه لا أحد يستطيع ذلك { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } ينصرونهم من عقابه - سبحانه - لهم .
وعند هذا الحد من عرض تناقضهم في دعوى الشرك المتهافتة ، يكشف عن العلة الأصلية في هذا التناقض المريب : إنه الهوى الذي لا يستند على عقل أو تفكير :
( بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم . فمن يهدي من أضل الله ? وما لهم من ناصرين ) . .
والهوى لا ضابط له ولا مقياس . إنما هو شهوة النفس المتقلبة ونزوتها المضطربة ، ورغباتها ومخاوفها . وآمالها ومطامعها التي لا تستند إلى حق ولا تقف عند حد ولا تزن بميزان . وهو الضلال الذي لا يرجى عمه هدى ، والشرود الذي لا ترجى معه أوبة : ( فمن يهدي من أضل الله ? )نتيجة لاتباعه هواه ? ( وما لهم من ناصرين )يمنعونهم من سوء المصير .
ثم قال تعالى مبينا أن المشركين إنما عبدوا غيره سَفَهًا من أنفسهم وجهلا { بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا } أي : المشركون { أَهْوَاءَهُمْ } أي : في عبادتهم الأنداد بغير علم ، { فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ } [ أي : فلا أحد يهديهم إذا كتب الله إضلالهم ]{[22816]} ، { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } أي : ليس لهم من قدرة الله منقذ ولا مجير ، ولا محيد لهم عنه ؛ لأنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن .
إضراب إبطالي لما تضمنه التعريض الذي في قوله { كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون } [ الروم : 28 ] إذ اقتضى أن الشأن أن ينتفع الناس بمثل هذا المثل فيُقلع المشركون منهم عن إشراكهم ويَلِجُوا حظيرة الإيمان ، ولكنهم اتبعوا أهواءهم وما تسوله لهم نفوسهم ولم يطلبوا الحق ويتفهموا دلائله فهم عن العلم بمنأى . فالتقدير : فما نفعتهم الآيات المفصلة بل اتبعوا أهواءهم .
و الذين ظلموا : المشركون { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] وتقييد اتباع الهوى بأنه بغير علم تشنيع لهذا الاتباع فإنه اتباع شهوة مع جهالة ، فإن العالم إذا اتبع الهوى كان متحرزاً من التوغل في هواه لعلمه بفساده ، وليس ما هنا مماثلاً لقوله تعالى { ومن أضل مِمنّ اتبع هواه بغير هدىً من الله } [ القصص : 50 ] في أنه قيد كاشف من حيث إن الهوى لا يكون إلا ملتبساً بمغايرة هدى الله .
والفاء في { فَمَن يهدي } للتفريع ، أي يترتب على اتباعهم أهواءهم بغير علم انتفاء الهدى عنهم أبداً . و { مَن } اسم استفهام إنكاري بمعنى النفي فيفيد عموم نفي الهادي لهم ، إذ التقدير : لا أحد يهدي من أضل الله لا غيرُهم ولا أنفسُهم ، فإنهم من عموم ما صدق { مَن يَهدي } .
ومعنى { من أضل الله : } مَن قَدَّر له الضلال وطبع على قلبه ، فإسناد الإضلال إلى الله إسناد لتكوينه على ذلك لا للأمر به وذلك بيّن . ومعنى انتفاء هاديهم : أن من يحاوله لا يجد له في نفوسهم مسلكاً . ثم عطف على جملة نفي هداهم خبرٌ آخر عن حالهم وهو { ما لهم من ناصرين } ردّاً على المشركين الزاعمين أنهم إذا أصابوا خطيئة عند الله أن الأصنام تشفع لهم عند الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.