روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَهۡوَآءَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ فَمَن يَهۡدِي مَنۡ أَضَلَّ ٱللَّهُۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (29)

{ بَلِ اتبع الذين ظَلَمُواْ } إعراض عن مخاطبتهم ومحاولة إرشادهم إلى الحق بضرب المثل وتفصيل الآيات واستعمال المقدمات الحقة المعقولة وبيان لاستحالة تبعيتهم للحق كأنه قيل : لم يعقلوا شيئاً من الآيات المفصلة بل اتبعوا { أَهْوَاءهُمْ } الزائغة ، ووضع الموصول موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بأنهم في ذلك الاتباع ظالمون واضعون للشيء في غير موضعه أو ظالمون لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي جاهلين يبطلان ما أتوا منكبين عليه لا يصرفهم عنه صارف حسبما يصرف العالم إذا اتبع الباطل علمه ببطلانه { فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ الله } أي خلق فيه الضلال وجعله كاسباً له باختياره { وَمَا لَهُمْ } أي لمن أضله الله تعالى ، والجمع باعتبار المعنى { مّن ناصرين } يخلصونهم من الضلال ويحفظونهم من تبعاته وآفاته على معنى ليس لواحد منهم ناصر واحد على ما هو المشهور في مقابلة الجمع بالجمع ، { وَمِنْ } مزيدة لتأكيد النفي ، والكلام مسوق لتسلية رسوله صلى الله عليه وسلم وتوطئة لأمره عليه الصلاة والسلام بقوله سبحانه : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً } قال العلامة الطيبي : إنه تعالى عقيب ما عدد الآيات البينات والشواهد الدالة على الوحدانية ونفي الشرك وإثبات القول بالمعاد وضرب سبحانه المثل وقال سبحانه : { كَذَلِكَ نُفَصّلُ الايات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ الروم : 8 2 ] أراد جل شأنه أن يسلي حبيبه صلوات الله تعالى وسلامه عليه ويوطنه على اليأس من إيمانهم فأضرب تعالى عن ذلك وقال سبحانه : { بَلِ اتبع الذين ظَلَمُواْ أَهْوَاءهُمْ } وجعل السبب في ذلك أنه عز وجل ما أراد هدايتهم وأنه مختوم على قلوبهم ولذلك رتب عليه قوله تعالى : { فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ الله } على التقريع والإنكار ثم ذيل سبحانه الكل بقوله تعالى : { وَمَا لَهُم مّن ناصرين } [ الروم : 9 2 ] يعني إذا أراد الله تعالى منهم ذلك فلا مخلص لهم منه ولا أحد ينقذهم لا أنت ولا غيرك فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فاهتم بخاصة نفسك ومن تبعك وأقم وجهك الخ اه ، ومنه يعلم حال الفاء في قوله تعالى : { فَمَنْ } وكذا في قوله سبحانه : { فَأَقِمْ } وقدر النيسابوري للثانية إذا تبين الحق وظهرت الوحدانية فأقم الخ ، ولعل ما أشار إليه الطيبي أولى ، ثم إنه يلوح من كلامه احتمال أن يكون الموصول قائماً مقام ضمير { الذين ظَلَمُواْ } فتدبر .