أثنى - سبحانه - على عدد آخر من عباده الصالحين فقال : { واذكر إِسْمَاعِيلَ واليسع وَذَا الكفل وَكُلٌّ مِّنَ الأخيار } .
وإسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - ولم يذكر فيما سبق مع أبيه ومع أخيه إسحاق ، ومع ابن أخيه يعقوب ، اعتناء بشأنه ، وللإِشارة إلى عراقته فى الصبر وفى تحمل الشدائد .
واليسع : هو ابن شافاط أو أخطوب : قيل استخلفه إلياس من بعده على بنى إسرائيل ، ثم منحه الله - تعالى - النبوة . وكانت وفاته فى حوالى سنة 840 ق . م وفدن بالسامرة .
وذا الكفل : هو ابن أيوب . بعثه الله - تعالى - بعد أبيه ، وكان مقيما بالشام . والأكثرون على أنه نبى لذكره معهم . وقيل هو رجل صالح من بنى إسرائيل . ولم يكن نبيا ، وسمى بذلك لأنه تكفل لأحد أنبيائهم بالقيام بالطاعات فوق بذلك .
والتنوين فى قوله - تعالى - : { وَكُلٌّ مِّنَ الأخيار } عوض عن المضاف إليه . أى : وكل هؤلاء العباد الذين ذكرناهم ، من أهل الخير والفضل والصلاح والصبر على الأذى .
وكذلك يشهد الله - سبحانه - لإسماعيل واليسع وذي الكفل أنهم من الأخيار . ويوجه خاتم أنبيائه وخير رسله صلى الله عليه وسلم ليذكرهم ويعيش بهم ، ويتأمل صبرهم ورحمة الله بهم . ويصبر على ما يلقاه من قومه المكذبين الضالين . فالصبر هو طريق الرسالات . وطريق الدعوات . والله لا يدع عباده الصابرين حتى يعوضهم من صبرهم خيراً ورحمة وبركة واصطفاء . . وما عند الله خير . وهان كيد الكائدين وتكذيب المكذبين إلى جانب رحمة الله ورعايته وإنعامه وإفضاله . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلّ مّنَ الأخْيَارِ } :
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد إسماعيل واليسع وذا الكِفل ، وما أبلْوا في طاعة الله ، فتأسّ بهم ، واسلك منهاجَهم في الصبر على ما نالك في الله ، والنفاذ لبلاغ رسالته . وقد بيّنا قبل من أخبار إسماعيل واليسع وذا الكفل فيما مضى من كتابنا هذا ما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . والكِفْل في كلامِ العرب : الحظّ والجَدّ .
و { الأخيار } جمع خير ، وخير : مخفف من خير كميت وميت .
وقرأ حمزة والكسائي : «والَّلْيسع » ، كأنه أدخل لام التعريف على { اليسع } ، فأجراه مجرى ضيغم ونحوه ، وهي قراءة علي بن أبي طالب والكوفيين . وقرأ الباقون : «واليسع » ، قال أبو علي : الألف واللام فيه زائدتان غير معرفتين كما هي في قول الشاعر : [ الكامل ]
ولقد جنيتك أكمؤاً وعساقلاً***ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
فُصل ذكر إسماعيل عن عدّه مع أبيه إبراهيم وأخيه إسحاق لأن إسماعيل كان جد الأمة العربية ، أي معظمِها فإنه أبو العدنانيين . وجدّ للأم لمعظم القحطانيين لأن زوج إسماعيل جُرْهُميّة فلذلك قطع عن عطفه على ذكر إبراهيم وعاد الكلام إليه هنا .
وأمّا قرنه ذِكرَه بذكر اليسَع وذي الكفل بعطف اسميهما على اسمه فوجهه دقيق في البلاغة وليس يكفي في توجيهه ما تضمنه قوله : { وكُلٌّ مِنَ الأخيارِ } ، لأن التماثل في الخيريّة والاصطفاء ثابت لجميع الأنبياء والمرسلين ، فلا يكون ذكرُهما بعد ذكر إسماعيل أولى من ذكر غيرهما من ذوي الخيرية الذين شملهم لفظ الأخيار والاصطفاء ، فإن شرط قبول العطف بالواو أن يكون بين المعطوف والمعطوف عليه جامع عقلي أو وهمي أو خيالي كما قال في « المفتاح » ، قال ومن هنا عابوا أبا تمام في قوله :
لا والذي هو عالم أن النوى *** صبر وأن أبا الحسين كريم{[355]}
حيث جمع بين مرارة النوى وكرم أبي الحسين وإن كانا مقترنين في تعلق علم الله بهما وذلك مساوٍ لاقتران إسماعيل واليسع وذي الكفل في أنهم من الأخيار في هذه الآية .
فبنا أن نطلب الدقيقة التي حسّنت في هذه الآية عطف اليسع وذي الكفل على إسماعيل . فأما عطف اليسع على إسماعيل فلأن اليسع كان مقامه في بني إسرائيل كمقام إسماعيل في بني إبراهيم لأن اليسع كان بمنزلة الابن للرسول إلياس ( إيليا ) وكان إلياس يدافع ملوك يهوذا وملوكَ إسرائيل عن عبادة الأصنام ، وكان اليسع في إعانته كما كان إسماعيل في إعانة إبراهيم ، وكان إلياس لما رفع إلى السماء قام اليسع مقامه كما هو مبيّن في سفر « الملوك الثاني » الإصحاح ( 1 2 ) .
وأما عطف ذي الكفل على إسماعيل فلأنه مماثل لإسماعيل في صفة الصبر قال الله تعالى في سورة الأنبياء ( 85 ) { وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين . وقرأ الجمهور { الْيسع } بهمزة وصل وبلام واحدة وهي من أصل الاسم في اللغة العبرانية فعربته العرب باللام وليست لام التعريف ، فدع عنك ما أطالوا به . وقرأه حمزة والكسائي بهمزة وصل وبلامين وتشديد الثانية وهو أقرب إلى أصله العبراني وهو اسم أعجميّ معرب ، والهمزة واللام ، أوْ واللامان أصلية .
وتنوين { كلٌ } في قوله : { وكُلٌّ من الأخيارِ } عوض عن المضاف إليه ، أي وكل أولئك الثلاثة من الأخيار . وتقدم ذكر اليَسع في سورة الأنعام ، وذكر ذي الكفل في سورة الأنبياء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.