تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱذۡكُرۡ إِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ وَكُلّٞ مِّنَ ٱلۡأَخۡيَارِ} (48)

قوله تعالى : { وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ } : يحتمل قوله عز وجل { واذكر } وجوها على ما ذكرنا :

أحدها : اذكر صبر هؤلاء على ما لقوا من قومهم ، فتستعين أنت على الصبر بما تلقى من قومك .

والثاني : اذكر حسن معاملة هؤلاء ربهم وحسن سيرتهم في ما بين الخلق لتعامل أنت ربك مثل معاملتهم ومثل سيرتهم .

والثالث : اذكر هؤلاء ومن ذكر ، أي أثن عليهم بحسن الثناء ، واذكرهم بخير ما أثنى عليهم الله عز وجل وأمر الناس أن يثنوا عليهم على ما تقدم ذكره ليكونوا أبدا أحياء بحسن الثناء والذكر .

والرابع : اذكر هؤلاء أن كيف عاملهم الله ، واختارهم لرسالته ، وما ذكر الله ، والله أعلم .

ثم قوله عز وجل : { واليسع } قال بعضهم : هو إلياس ، وقال بعضهم : هو غيره ، وكان ابن عم إلياس ، والله أعلم { وذا الكفل } اختلف فيه أيضا : قال بعضهم : كان إلياس في أربع مئة نبي عليهم السلام في زمن ملك ، فقتل الملك ثلاث مئة منهم . فكفل رجل إلياس في مئة نبي ، فكفلهم ، وخبأهم عنده يطمعهم ، ويسقيهم ، حتى خرجوا من عنده . وكان الكفل بمنزلة من الملك . فلذلك سمي ذا الكفل ، لأنه خبأهم ، وكفلهم ، والله أعلم .

وقال بعضهم : سمي ذا الكفل لأنه كفل لله عز وجل ووفى الله به ، فسمي ذا الكفل .

وقال أبو موسى الأشعري : إن ذا الكفل لم يكن نبيا ، ولكن كان رجلا صالحا ، تكفل بعمل رجل صالح عند موته ، كان يصلي لله عز وجل كل يوم مئة صلاة ، فأحسن الله عليه الثناء في كفالته .

وقال بعضهم : إن نبيا من الأنبياء قال لقومه : أيكم يتكفل بتبليغ ما بعثت أنا إلى الناس بعدي لأضمن له الجنة والدرجة العليا ؟ فقال شاب : أنا أكفل التبليغ على ذلك ، ووفى ما كفل ، فسمي ذا الكفل لذلك ، والله أعلم .

وليس لنا معرفة ذلك حاجة أنه لماذا ؟ وأن اليسع كان فلانا سوى أن يعرفهم أنهم من الأخيار على ما ذكر الله عز وجل والله أعلم .

وبعد فإن معرفة أخبار الآحاد توجب علم العمل ، ولا توجب علم الشهادة ، وليس ههنا سوى الشهادة على الله ، والترك أولى . .