تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَٱذۡكُرۡ إِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ وَكُلّٞ مِّنَ ٱلۡأَخۡيَارِ} (48)

45

48-{ واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار } .

واذكر لقومك أو لنفسك هؤلاء الأخيار الذين صبروا وصابروا ، وكانوا مثالا يحتذى في الصبر والمروءة ، والتضحية والفداء .

وقد ذكر في الآية ثلاثة من الأخيار الذي يعملون الخير والبر والطاعة والمعروف وهم :

1- إسماعيل عليه السلام ، فقد كان مثالا للطاعة لأبيه ، والصبر على البلاء ، ومعاونة أبيه على تنفيذ أمر الله .

قال تعالى : { فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } . [ الصافات : 102 ] .

وقال صلى الله عليه وسلم " أنا ابن الذبيحين " {[579]} .

الذبيح الأول : إسماعيل ، فقد أمر الله إبراهيم بذبح إسماعيل ، ثم وفّى إبراهيم واستعد للذبح ، ففداه الله بذبح عظيم .

والذبيح الثاني : عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد نذر عبد المطلب إذا رزقه الله عشرة من البنين ليذبحن أحدهم قربانا ، ورزق فعلا ذلك ، وجاءت الهواتف تطلب من عبد المطلب الوفاء بالنذر ، وخرجت القرعة على عبد الله والد النبي ، ثم اقترحت عرّافة باليمن أن يقدموا فدية عن عبد الله هي مائة من الإبل ، وهي مقدار دية القتيل ، فقدموا هذه الفدية ، ونجا عبد الله ليكون أكرم والد لأكرم مولود .

2- اليسع عليه السلام ، وقد استخلفه إلياس على بني إسرائيل فصبر على جهلهم وسفاهتهم وظلمهم وكفرهم ، ثم اصطفاه الله رسولا .

3- ذو الكفل عليه السلام . وهو نبي مرسل عند الجمهور ، وكان من شأنه أنه جابه الظُّلم ، وتصدّى لقوم طاردوا عددا كبيرا من أنبياء بني إسرائيل ، وتعقبوهم ليقتلوهم ، فكلفهم ذو الكفل ، وآواهم غير مبال بعسف الظالمين وكيدهم .


[579]:أنا ابن الذبيحين: قال العجلوني في "كشف الخفاء" (606): كذا في الكشاف، قال الزيلعى وابن حجر في تخريج أحاديثه: لم نجده بهذا اللفظ، وقال في المقاصد: حديث ابن الذبيحين رواه الحاكم في المناقب من مستدركه من حديث عبيد الله بن محمد العتبي قال حدثنا عبد الله بن سعيد عن الصنابجي قال حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان، فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق ابني إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، فقال بعضهم: الذبيح إسماعيل وقال بعضهم: بل إسحاق، فقال معاوية: سقطتم على الخبير، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي يشكو جدب أرضه: يا رسول الله خلفت البلاد يابسة، والماء يابسا، هلك المال وضاع العيال فعد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليه، فقلنا لمعاوية من الذبيحان يا أمير المؤمنين فقال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل له أمرها أن ينحر بعض ولده، فأخرجهم وأسهم بينهم، فخرج السهم لعبد الله،، فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم، وقالوا له: أرض ربّك، وافد ابنك، ففداه بمائة ناقة فهو الذبيح، وإسماعيل الثاني. انتهى مع زيادة، وقال في المواهب وشرحها للزرقاني: وعند الحاكم في المستدرك وابن جرير وابن مردويه والثعلبي في تفاسيرهم عن معاوية بن أبي سفيان قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابي، فقال: يا رسول الله خلفت البلاد يابسة، والماء يابسا وفي نسخة الكلأ يابسا، وخلقت المال عابسا، هلك المال وضاع العيال فعد عليّ مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه. والحديث حسن بل صححه الحاكم والذهبي لتقوّيه بتعدد طرقه، انتهى، وأقول: فحينئذ لا ينافيه ما نقله الحلبي في سيرته عن السيوطي أن هذا الحديث غريب، وفي إسناده من لا يعرف. انتهى، وفيه دليل على أن الذبيح إسماعيل، وهو الصحيح، وفي الهدي لابن القيم: إسماعيل هو الذبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم، أما القول بأنه إسحاق فمردود بأكثر من عشرين وجها ونقل عن الإمام ابن تيمية أن هذا القول متلقى من أهل الكتاب مع أنه باطل في كتابهم، فإن فيه إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه بكره، وفي لفظ وحيده، وقد حرفوا ذلك في التوراة التي بأيديهم " اذبح ابنك إسحاق ". ولبعضهم وقد أجاد: إن الذبيح، هديت، إسماعيل نطق الكتاب بذاك والتنزيل شرف به خص الإله نبينا وأبانه التفسير والتأويل