ثم بين - سبحانه - سنته فى عقاب الظالمين فى كل زمان ومكان فقال : { وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ . . . }
والكاف فى { وكذلك } بمعنى مثل ، والمراد بالقرى : أهلها الظالمون .
والأخذ : هو العقاب المباغت السريع : يقال أخذ فلان الموت ، إذا نزل به بسرعة وقوة ، .
أى : ومثل ذلك الأخذ والإِهلاك للظالمين السابقين ، يكون أخذ ربك وعقابه لكل ظالم يأتى بعدهم وينهج نهجهم .
وجملة ، وهى ظالمة ، فى موضع الحال من القرى ، وفائدة هذه الحال الإِشعار بأن عقابهم كان بسبب ظلمهم ، وفى ذلك ما فيه من التحذير لكل ظالم لا يبادر بالإِقلاع عن ظلمه قبل فوت الآوان .
والمراد بالظلم ما يشمل الكفر وغيره من الجرائم والمعاصى التى نهى الله عنها ، كالكذب وشهادة الزور ، وأكل أموال الناس بالباطل .
وقوله : { إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } زيادة فى التحذير من الوقوع فى الظلم .
أى : إن أخذه - سبحانه - للظالمين عظيم إيلامه ، شديد وقعه ، لا هوادة فيه ، ولا مخلص منه .
روى الشيخان عن أبى موسى الأشعرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } "
( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ) . . .
كذلك الذي قصصناه عليك ، وبمثل هذا الدمار والنكال يأخذ ربك القرى حين يأخذها وهي ظالمة
ظالمة : مشركة حين تدين لغير الله بالربوبية ، وظالمة لنفسها بالشرك والفساد في الأرض والإعراض عن دعوة التوحيد والصلاح . وقد ساد فيها الظلم وسيطر الظالمون .
بعد الإمهال والمتاع والابتلاء ، وبعد الإعذار بالرسل والبينات ، وبعد أن يسود الظلم في الأمة ويسيطر الظالمون . ويتبين أن دعاة الحق المصلحين قلة منعزلة لا تأثير لها في حياة الجماعة الظالمة السادرة في الضلال . . ثم . . بعد أن تفاصل العصبة المؤمنة قومها السادرين في الضلال ؛ وتعتبر نفسها أمة وحدها لها دينها ولها ربها ولها قيادتها المؤمنة ولها ولاؤها الخاص فيما بينها . وتعلن الأمة المشركة من قومها بهذا كله ، وتدعها تلاقي مصيرها الذي يقدره الله لها . وفق سنته التي لا تتخلف على مدار الزمان .
يقول تعالى : وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا كذلك نفعل بنظائرهم وأشباههم وأمثالهم ، { إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليُملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يُفلته " ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } {[14903]} .واعتبارا على صدق موعُودنا في الدار الآخرة ، { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ } [ غافر : 51 ] ، وقال تعالى : { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } [ إبراهيم : 13 ، 14 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىَ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } .
يقول تعالى ذكره : وكما أخذت أيها الناس أهل هذه القرى التي اقتصصت عليك نبأ أهلها بما أخذتهم به من العذاب ، على خلافهم أمري ، وتكذيبهم رسلي ، وجحودهم آياتي ، فكذلك أخذي القرى وأهلها ، إذا أخذتهم بعقابي ، وهم ظلمة لأنفسهم بكفرهم بالله ، وإشراكهم به غيره ، وتكذيبهم رسله . { إنّ أخْذهُ ألِيمٌ } ، يقول : إن أخذ ربكم بالعقاب من أخذه أليم ، يقول : موجع شَدِيدٌ الإيجاع ، وهذا أمر من الله تحذير لهذه الأمة أن يسلكوا في معصيته طريق من قبلهم من الأمم الفاجرة ، فيحلّ بهم ما حلّ بهم من المثلات . كما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن يزيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله يُمْلي » ، وربما قال : «يُمْهِلُ للظّالم ، حَتّى إذَا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » ، ثم قرأ : { وكذلك أخْذُ ربّك إذَا أخَذ القُرى وهِي ظالِمَةٌ } .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : إن الله حذّر هذه الأمة سطوته بقوله : { وكذلك أخْذُ رَبّكَ إذَا أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِمَةٌ إنّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ } .
وكان عاصم الجحدري يقرأ ذلك : { وكذلكَ أخْذُ رَبّكَ إذْ أخَذَ القُرَى وَهِيَ ظالِمَةٌ } . وذلك قراءة لا أستجيز بها ، لخلافها مصاحف المسلمين وما عليه قرأة الأمصار .
{ وكذلك } ومثل ذلك الأخذ . { أخذ ربك } وقرئ { أخذ ربك } بالفعل وعلى هذا يكون محل الكاف النصب على المصدر . { إذا أخذ القرى } أي أهلها وقرئ " إذ " لأن المعنى على المضي . { وهي ظالمة } حال من { القرى } وهي في الحقيقة لأهلها لكنها لما أقيمت مقامه أجريت عليها ، وفائدتها الإشعار بأنهم أخذوا بظلمهم وإنذار كل ظالم ظلم نفسه ، أو غيره من وخامة العاقبة . { إن أخذه أليم شديد } وجيع غير مرجو الخلاص منه ، وهو مبالغة في التهديد والتحذير .
وقوله { وكذلك } الإشارة إلى ما ذكر من الأحداث في الأمم ، وهذه آية وعيد تعم قرى المؤمنين ، فإن { ظالمة } أعم من كافرة ، وقد يمهل الله تعالى بعض الكفرة ، وأما الظلمة - في الغالب فمعاجلون ، أما أنه يملي لبعضهم ، وفي الحديث -من رواية أبي موسى - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته » ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة } الآية{[6504]} .
وقرأ أبو رجاء العطاردي وعاصم الجحدري «ربُّك إذا أخذ القرى »{[6505]} ، والجمهور الأعظم : { إذا أخذ القرى } ، وأنحى الطبري على قراءة عاصم هذه{[6506]} ، وقرأ طلحة بن مصرف كذلك ، وهي قراءة متمكنة المعنى ولكن قراءة الجماعة تعطي بقاء الوعيد واستمراره في الزمان ، وهو الباب في وضع المستقبل موضع الماضي .
الإشارة إلى المذكور من استئصال تلك القرى . وهو ما يدل عليه قوله : { أخذ ربك } . والتقدير : وكذلك الأخذ الذي أخذنا به تلك القرى أخذ ربك إذا أخذ القرى . والتشبيه في الكيفيّة والعاقبة .
والمقصود من هذا التّذييل تعريض بتهديد مشركي العرب من أهل مكّة وغيرها .
والظلم : الشرك . وجملة { إنّ أخذه أليم شديد } في موضع البيان لمضمون { وكذلك أخذ ربّك } . وفيه إشارة إلى وجه الشّبه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة}، أي: مشركة، {إن أخذه}، يعني: بطشه، {أليم}، يعني: وجيع، {شديد}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وكما أخذت أيها الناس أهل هذه القرى التي اقتصصت عليك نبأ أهلها بما أخذتهم به من العذاب، على خلافهم أمري، وتكذيبهم رسلي، وجحودهم آياتي، فكذلك أخذي القرى وأهلها، إذا أخذتهم بعقابي، وهم ظلمة لأنفسهم بكفرهم بالله، وإشراكهم به غيره، وتكذيبهم رسله.
{إنّ أخْذهُ ألِيمٌ}، يقول: إن أخذ ربكم بالعقاب من أخذه "أليم"، يقول: موجع شَدِيدٌ الإيجاع، وهذا أمر من الله تحذير لهذه الأمة أن يسلكوا في معصيته طريق من قبلهم من الأمم الفاجرة، فيحلّ بهم ما حلّ بهم من المثلات.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وجه التشبيه في قوله "وكذلك أخذ ربك "إن أخذه الظالم الذي يساوي من تقدمه في ظلمه وحاله في بطلان الفلاح ببقائه، كأخذه الذي قبله، لأنه ليس هناك محاباة لأحد من خلقه. والأخذ: نقل الشيء إلى جهة الآخذ، فلما نقلهم الله إلى جهة عقابه كان قد أخذهم به، والظالم: الفاعل للظلم والعادل: الفاعل للعدل. ثم أخبر تعالى أن أخذه للظالم مؤلم شديد، والشدة تجمع يصعب معه التفكك، ويقال للنقص شدة، وشدة الألم لجمعه على النفس بما يعسر زواله...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وهذا تحذير من وخامة عاقبه الظلم لكل أهل قرية ظالمة من كفار مكة وغيرها، بل لكل من ظلم غيره أو نفسه بذنب يقترفه. فعلى كل من أذنب أن يحذر أخذ ربه الأليم الشديد، فيبادر التوبة ولا يغتر بالإمهال...
اعلم أنه تعالى لما أخبر الرسول -عليه السلام- في كتابه بما فعل بأمم من تقدم من الأنبياء لما خالفوا الرسل وردوا عليهم من عذاب الاستئصال، وبين أنهم ظلموا أنفسهم فحل بهم العذاب في الدنيا قال بعده: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة} فبين أن عذابه ليس بمقتصر على من تقدم، بل الحال في أخذ كل الظالمين يكون كذلك.
{وهى ظالمة} الضمير فيه عائد إلى القرى وهو في الحقيقة عائد إلى أهلها، ونظيره قوله: {وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة} وقوله: {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها}...
واعلم أنه تعالى لما بين كيفية أخذ الأمم المتقدمة ثم بين أنه إنما يأخذ جميع الظالمين على ذلك الوجه أتبعه بما يزيده تأكيدا وتقوية فقال: {إن أخذه أليم شديد} فوصف ذلك العذاب بالإيلام وبالشدة، ولا منغصة في الدنيا إلا الألم، ولا تشديد في الدنيا وفي الآخرة، وفي الوهم والعقل إلا تشديد الألم...
واعلم أن هذه الآية تدل على أن من أقدم على ظلم فإنه يجب عليه أن يتدارك ذلك بالتوبة والإنابة لئلا يقع في الأخذ الذي وصفه الله تعالى بأنه أليم شديد ولا ينبغي أن يظن أن هذه الأحكام مختصة بأولئك المتقدمين، لأنه تعالى لما حكى أحوال المتقدمين قال: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة} فبين أن كل من شارك أولئك المتقدمين في فعل ما لا ينبغي، فلا بد وأن يشاركهم في ذلك الأخذ الأليم الشديد...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان المقصود من ذلك رمي قلوب العرب بما فيه من سهام التهديد ليقلعوا عما تمكنوا فيه من عمى التقليد، قال تعالى معلماً بأن الذي أوقع بأولئك لظلمهم و هو لكل ظالم بالمرصاد سواء ظلم نفسه أو غيره: {وكذلك} أي ومثل ذلك الأخذ العظيم {أخذ ربك} ذكّره بوصف الإحسان ما له إليه من البر لئلا يخاف على قومه من مثل هذا الأخذ {إذا أخذ القرى} أي أهلها وإن كانوا غير من تقدم الإخبار عنهم وإن عظموا وكثروا، ولكن الإخبار عنها أهول لأنه يفهم أنه ربما يعمها الهلاك لأجلهم بشدة الغضب من فعلهم كقرى قوم لوط عليه السلام {وهي ظالمة} روى البخاري في التفسير عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ {وكذلك أخذ ربك} الآية. ولما كان مثل هذا الآخذ لا يدانيه مخلوق ولا يقدر عليه ملك، حسن كل الحسن إتباع ذلك قوله: {إن أخذه أليم} أي مؤلم قاطع للآمال مالئ البدن والروح والنفس بالنكال {شديد} أي صعب مفتت للقوى، ولعله عبر هنا باسم الرب مضيفاً له إلى المنبئ بهذه الأنباء مكرراً لذلك في هذا المقام الذي ربما سبق فيه الوهم إلى أنه باسم الجبار و المنتقم مثلاً أليق، إشارة إلى أنه سبحانه يربيك أحسن تربية في إظهارك على الدين كله وانقياد العظماء لأمرك وذل الأعزة لسطوتك وخفض الرؤوس لعلو شأنك، فلا تتكلف أنت شيئاً من قصد إجابتهم إلى إنزال آية أو ترك ما يغيظ من إنذار ونحو ذلك -والله الموفق...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة)... كذلك الذي قصصناه عليك، وبمثل هذا الدمار والنكال يأخذ ربك القرى حين يأخذها وهي ظالمة ظالمة: مشركة حين تدين لغير الله بالربوبية، وظالمة لنفسها بالشرك والفساد في الأرض والإعراض عن دعوة التوحيد والصلاح. وقد ساد فيها الظلم وسيطر الظالمون.
(إن أخذه أليم شديد).. بعد الإمهال والمتاع والابتلاء، وبعد الإعذار بالرسل والبينات، وبعد أن يسود الظلم في الأمة ويسيطر الظالمون. ويتبين أن دعاة الحق المصلحين قلة منعزلة لا تأثير لها في حياة الجماعة الظالمة السادرة في الضلال.. ثم.. بعد أن تفاصل العصبة المؤمنة قومها السادرين في الضلال؛ وتعتبر نفسها أمة وحدها لها دينها ولها ربها ولها قيادتها المؤمنة ولها ولاؤها الخاص فيما بينها. وتعلن الأمة المشركة من قومها بهذا كله، وتدعها تلاقي مصيرها الذي يقدره الله لها. وفق سنته التي لا تتخلف على مدار الزمان...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
التشبيه في قوله تعالى: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة} هو تشبيه حال القرى القائمة الظالمة في توقع عذاب الله لها بحال الذين أخذوا من قبل كغرق قوم نوح، وكالرجفة التي أخذت ثمود ومدين، وكالريح الصرصر الذي أخذ من قبل عاد كهذا الأخذ الذي أخذ به السابقون، يؤخذ القائمون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن ذلك الماضي إنذار للحاضرين من القرى الظالمين كالمشركين في مكة الذي يتحدون الله ورسوله، ويحسبون أنهم الغالبون، والله تعالى غالب على أمره، وقد قرر بعد ذلك شدة عذابه في أخذه لهم من حيث لا يحتسبون، فقال عز من قائل: {إن أخذه أليم شديد} اي إن أخذه المفاجئ الذي لا يرتقبونه فوق ما فيه من ألم المفاجأة، وهم يرتعون ويلعبون هو في ذاته مؤلم موجع، وشديد في إيلامه وفي حاله، وحالهم معه، كانوا ينتظرون مطرا يمطرهم، فإذا هو ريح فيها عذاب أليم. وإن ذلك إنذار كما ذكرنا للمشركين، حتى يرجعوا عن غيهم، وإن الله إذا كان قد أخر عنهم العذاب لأجل محدود، فإنهم ليسوا غالبين، وإنه سبحانه جاعل العذاب من نوع آخر، يستبقي الأطهار ولا يستأصل الأشرار لأنه يكون من أصلابهم من يعبد الله ويجاهد في سبيله، ألم يجعل من أصلابهم قادة مجاهدين، فكان من أصلابهم خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل، وغيرهما من القادة المجاهدين. ووصف أخذ القرى بأنه يأخذها وهي متلبسة بظلمها، تحمل في نفسها موجب عذابها. وإن هذه الإنذارات يتعظ بها وينزجر من يؤمن بالآخرة، ويخاف مقام الله فيها...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(وكذلك أخذ ربّك إِذ أخذ القرى وهي ظالمة) فلا يدعها على حالها و (إِنّ أخذه أليم شديد). هذا قانون إِلهي عام ومنهج دائم، فما من قوم أو أُمّة من الناس يتجاوزون حدود الله ويمدون أيديهم للظلم ولا يكترثون لنصائح أنبيائهم ومواعظهم، إِلاّ أخذهم الله أخذاً شديداً واعتصرتهم قبضة العذاب. هذه الحقيقة تؤكّد أنّ المنهاج السابق منهاج عمومي وسنّة دائمة، وتستفاد من آيات القرآن بصورة جيدة، وهي في الواقع إِنذار لأهل العالم جميعاً: أن لا تظنوا أنّكم مستثنون من هذا القانون، أو أنّ هذا الحكم مخصوص بالأقوام السابقين. وبالطبع فإنّ الظلم بمعناه الواسع يشمل جميع الذنوب، ووصُفت القرية أو المدينةُ بأنّها «ظالمة» مع أنّ الوصف ينبغي أن يكون لساكنيها، فكأنما هناك مسألة دقيقة وهي أنّ أهل هذه المدينة انغمسوا في الظلم إلى درجة حتى كأنّ المدينة كلها أصبحت مغموسة في الظلم أيضاً...