وقوله - سبحانه - : { فَرَدَدْنَاهُ إلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ } معطوف على كلام محذوف ، والتقدير : فسمعوا منها ما قالت ، ودلتهم على أمه ، فرددناه إليها ، كى يطمئن قلبها وتقر عينها برجوع ولدها إليها ، ولا تحزن لفراقه .
ولتعلم أن وعد الله - تعالى - حق ، أى : أن وعده - سبحانه - لا خلف فيه ، بل هو كائن لا محالة .
{ ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أى : ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة حق العلم ، ولذا يستعجلون الأمور ، دون أن يفطنوا إلى حكمته - سبحانه - فى تدبير أمر خلقه .
وبذلك نرى هذه الآيات قد صاغت لنا بأبلغ أسلوب ، جانبا من حياة موسى - عليه السلام - ، ومن رعاية الله - تعالى - له ، وهو ما زال فى سن الرضاعة .
وينتهي المشهد الرابع ؛ فنجدنا أمام المشهد الخامس والأخير في هذه الحلقة . وقد عاد الطفل الغائب لأمه الملهوفة . معافى في بدنه ، مرموقا في مكانته ، يحميه فرعون ، وترعاه امرأته ، وتضطرب المخاوف من حوله وهو آمن قرير . وقد صاغت يد القدرة الحلقة الأولى من تدبيرها العجيب :
فرددناه إلى أمه ، كي تقرعينها ولا تحزن ، ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون . .
{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا }أي : به ، { وَلا تَحْزَنْ } أي : عليه : { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } أي : فيما وعدها من رده إليها ، وجعله من المرسلين . فحينئذ تحققت برده إليها أنه كائن منه رسول من المرسلين ، فعاملته في تربيته ما ينبغي له طبعًا وشرعًا .
وقوله : { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } أي : حُكْمَ الله في أفعاله وعواقبها المحمودة ، التي هو المحمود عليها في الدنيا والآخرة ، فربما يقع الأمر كريها إلى النفوس ، وعاقبته محمودة في نفس الأمر ، كما قال تعالى : { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ } [ البقرة : 216 ] وقال تعالى : { فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [ النساء : 19 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىَ أُمّهِ كَيْ تَقَرّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ وَلََكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فَرَدَدْنَا موسى إلَى أُمّهِ بعد أن التقطه آل فرعون ، لتقرّ عينها بابنها ، إذ رجع إليها سليما من قَتل فرعون وَلا تَحْزَنْ على فراقه إياها وَلِتَعْلَمَ أنّ وَعْدَ اللّهِ الذي وعدها إذ قال لها فإذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فأَلْقِيهِ فِي الْيَمّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي . . . الاَية ، حقّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَرَدَدْناهُ إلى أُمّهِ فقرأ حتى بلغ لا يَعْلَمُونَ ووعدها أنه رادّه إليها وجاعله من المرسلين ، ففعل الله ذلك بها .
وقوله : وَلكِنّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ يقول تعالى ذكره : ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن وعد الله حقّ ، لا يصدّقون بأن ذلك كذلك .
و «قرت عينها » أي سرت بذلك ، وروي أن فرعون قال لها : ما سبب قبول هذا الطفل ؟ فقالت إني طيبة الرائحة طيبة اللبن ودمع الفرح بارد ودموع الهم حرّى سخنة فمن هذا المعنى قيل قرت العين وسخنت{[9121]} ، وقرأ يعقوب «نُقِر » بنون مضمومة وكسر القاف ، و { وعد الله } المشار إليه وهو الذي أوحاه إليها أولاً إما بملك وإنما بمنامة وإما بإلهام حسب اختلاف المفسرين في ذلك ، والقول بالإلهام يضعف أن يقال فيه { وعد } ، وقوله تعالى : { أكثرهم } يريد القبط .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.