الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَرَدَدۡنَٰهُ إِلَىٰٓ أُمِّهِۦ كَيۡ تَقَرَّ عَيۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَ وَلِتَعۡلَمَ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (13)

فانطلقت إلى أمها بأمرهم ، فجاءت بها والصبيّ على يد فرعون يعلله شفقة عليه وهو يبكي يطلب الرضاع ، فحين وجد ريحها استأنس والتقم ثديها ، فقال لها فرعون : ومن أنت منه فقد أبى كل ثدي ؟ إلا ثديك ؟ قالت : إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن ، لا أوتي بصبي إلا قبلني ، فدفعه إليها وأجرى عليها ، وذهبت به إلى بيتها ، وأنجز الله وعهده في الردّ ، فعندها ثبت واستقرّ في علمها أن سيكون نبياً . وذلك قوله : { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } يريد . وليثبت علمها ويتمكن .

فإن قلت : كيف حل لها أن تأخذ الأجر إلى إرضاع ولدها ؟ قلت : ما كانت تأخذه على أنه أجر على الرضاع ، ولكنه مال حربيّ كانت تأخذه على وجه الاستباحة . وقوله : { ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } داخل تحت علمها . المعنى : لتعلم أن وعد الله حق ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أنه حق فيرتابون . ويشبه التعريض بما فرط منها حين سمعت بخبر موسى ، فجزعت وأصبح فؤادها فارغاً يروى أنها حين ألقت التابوت في اليم جاءها الشيطان فقال لها : يا أم موسى ، كرهت أن يقتل فرعون موسى فتؤجري ، ثم ذهبت فتوليت قتله ، فلما أتاها الخبر بأن فرعون أصابه قالت : وقع في يد العدوّ ، فنسيت وعد الله . ويجوز أن يتعلق { ولكن } بقوله : { وَلِتَعْلَمَ } ومعناه : أن الردّ إنما كان لهذا الغرض الديني ، وهو علمها بصدق وعد الله . ولكنّ الأكثر لا يعلمون بأن هذا هو الغرض الأصلي الذي ما سواه تبع له من قرّة العين وذهاب الحزن .