ولم يكتفوا بهذا القول الباطل ، بل أخذوا يثيرون الناس على موسى ، ويهولون لهم الأمر ليقفوا في وجهه فقالوا { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } .
أى : يريد هذا الساحر أن يسلب منكم ملككم ، وأن يصبح هو ملكا على مصر ، فماذا تأمرون لإتقاء هذا الخطر الداهم ؟ وبماذا تشيرون في أمره ؟ فهو من الأمر بمعنى المشاورة .
يقال : آمرته فآمرنى . أى : شاورته فأشار على .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت قد عزى هذا الكلام إلى فرعون في سورة الشعراء حيث قال : { قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ } أى قال فرعون للملأ حوله { إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } ؟ وهنا عزى إلى الملأ فكيف الجمع ، قلت : قد قاله هو وقالوه هم فحكى قوله هناك وقولهم ههنا . أو قاله ابتداء فتلقفه منه الملأ فقالوه لأعقابهم . أو قالوه عنه للناس عن طريق التبليغ كما يفعل الملوك ، يرى الواحد منهم الرأى فيكلم به من يليه من الخاصة ، ثم تبلغه الخاصة العامة . . وقولهم : { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } من كلام فرعون ، قاله للملأ لما قالوا له : إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم " كأنه قيل : فماذا تأمرون ؟ فأجابوه : ارجه وأخاه .
يريد أن يخرجكم من أرضكم أرض مصر معشر القبط السحرة . وقال فرعون للملإ : فَمَاذَا تَأْمُرُونَ يقول : فأيّ شيء تأمرون أن نفعل في أمره ، بأيّ شيء تشيرون فيه . وقيل : فماذا تأمرون والخبر بذلك عن فرعون ، ولم يذكر فرعون ، وقلّما يجيء مثل ذلك في الكلام ، وذلك نظير قوله : قالَتِ امْرأةُ العَزِيزِ الاَنَ حَصْحَصَ الحَقّ أنا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإنّهُ لَمنَ الصّادِقينَ ذلكَ لِيَعْلَمُ أنْي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ فقيلَ ذلكَ لَيْعَلَم أنّي لم أَخُنْهُ بالغَيْبِ من قول يوسف ، ولم يذكر يوسف . ومن ذلك أن يقول : قلت لزيد : قم فإني قائم ، وهو يريد : فقال زيد : إني قائم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال لهم فرعون: {يريد أن يخرجكم من أرضكم}، وهي مصر، {فماذا تأمرون}، يعني تشيرون.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يريد أن يخرجكم من أرضكم أرض مصر معشر القبط السحرة. وقال فرعون للملإ: فَمَاذَا تَأْمُرُونَ يقول: فأيّ شيء تأمرون أن نفعل في أمره، بأيّ شيء تشيرون فيه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يريد أن يذهب بعيشكم الطيب وراحتكم وتلذّذكم بأنواع التلذذ؛ لأنهم كانوا يستعبدون بني إسرائيل، ويستخدمونهم، ويستريحون بهم، وينعمون. فيقول للقبط: يريد أن يذهب بذلك كله عنكم...
وقوله تعالى: {فماذا تأمرون} دل هذا القول من فرعون أنه كان يعرف أنه ليس بإله ولا رب، لأنه لو كان ما يقول {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24] لكان لا يطلب من قومه الأمر والإشارة في ذلك...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ومعنى قوله تعالى "يريد أن يخرجكم من أرضكم "بإزالة ملككم بتقوية أعدائكم عليكم.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
إذا أراد اللهَ هوان عبدٍ لا يزيد الحقَّ حُجَّةً إلا ويزيد لذلك المُبْطِل فيه شبهةً؛ فكلَّما زاد موسى -عليه السلام- في إظهار المعجزات ازدادوا حيرةً في التأويلات.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
يعنون بأنه يحكم فيكم بنقل رعيتكم في بني إسرائيل فيفضي ذلك إلى خراب دياركم إذا ذهب الخدمة والعمرة، وأيضاً فلا محالة أنهم خافوا أن يقاتلهم وجالت ظنونهم كل مجال...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما خيلوهم حتى أوقفوهم عما فهموا عنهم من المبادرة إلى المتابعة بادعاء أنه ساحر؛ نفروهم من ذلك وخوفوهم بأنه يريد أن يحكم فيهم قومه الذين كانوا عبيداً لهم ويزيحوهم من ديارهم التي هي لأشباحهم مثل أشباحهم لأرواحهم بقولهم: {يريد أن يخرجكم} أي أيها القبط {من أرضكم} أي هذه التي أثلها لكم آباؤكم وبها قوامكم؛ ولما كان السياق لبيان فسقهم، أسقط قولهم في الموضع الآخر {بسحره} إفهاماً لعجلتهم في إبرام الأمر في ضره إشارة إلى تغاليهم في الفسق بعلمهم أنه محق وليس بساحر. ولما كان المقصود بهذا الكلام استعطاف المخاطبين، استعطفوهم بعد أن أوقفوهم، ثم خوفوهم بما سببوا عن الخطاب السابق من قولهم: {فماذا تأمرون} أي تقولون في هذه المشورة أيها السادة ليمتثل...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
فَمَاذَا تَأْمُرُونَ أي: إنهم تشاوروا فيما بينهم ما يفعلون بموسى، وما يندفع به ضرره بزعمهم عنهم، فإن ما جاء به إن لم يقابل بما يبطله ويدحضه، وإلا دخل في عقول أكثر الناس.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إنهم يصرحون بالنتيجة الهائلة التي تتقرر من إعلان تلك الحقيقة. إنها الخروج من الأرض.. إنها ذهاب السلطان.. إنها إبطال شرعية الحكم.. أو.. محاولة قلب نظام الحكم!.. بالتعبير العصري الحديث! إن الأرض لله. والعباد لله. فإذا ردت الحاكمية في أرض لله، فقد خرج منها الطغاة، الحاكمون بغير شرع الله! أو خرج منها الأرباب المتألهون الذين يزاولون خصائص الألوهية بتعبيد الناس لشريعتهم وأمرهم. وخرج منها الملأ الذين يوليهم الأرباب المناصب والوظائف الكبرى، فيعبدون الناس لهذه الأرباب! هكذا أدرك فرعون وملؤه خطورة هذه الدعوة.. وكذلك يدركها الطواغيت في كل مرة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أي: يريد إخراج قومكم من أرضكم التي استوطنتموها أربعة قرون وصارت لكم موطناً كما هي للمصريين، ومقصدهم من ذلك تذكيرهم بحب وطنهم، وتقريبهم من أنفسهم، وإنساؤهم ما كانوا يلقون من اضطهاد القبط واستذلالهم، شعوراً منهم بحراجة الموقف. وإما إنهم علموا أنه إذا شاع في الأمة ظهور حجة موسى وعَجْز فرعون وملئه أدخل ذلك فتنة في عامة الأمة فآمنوا بموسى وأصبح هو الملك على مصر فأخرج فرعونَ وملأه منها. فمعنى {فماذا تأمرون} ماذا تطلبون أن نفعل
إنها نكبة جاءت لفرعون الذي يدعي الألوهية، ونكبة لمن حوله من هؤلاء الذين يوافقونه، فكيف يواجهها حتى يظل في هيئته وهيبته؛ قال عن موسى: إنه ساحر، لكي يصرف الناس الذين رأوا معجزات موسى عن الإيمان والاقتناع به، وأنه رسول رب العالمين، وبعد ذلك يهيج فرعون وطنيتهم ويهيج ويثير غيرتهم ويحرك انتماءهم إلى مكانهم فقال: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)}. اتهموا موسى عليه السلام بأنه يريد أن يخرج الناس بسحرهم من أرضهم، وهذا القول من فرعون ومن معه له هدف هو تهييج الناس وإثارتهم؛ لأن فرعون أقنع الناس أنه إله. وها هي ذي الألوهية تكاد تنهدم في لحظة، فقال عن موسى إنه ساحر، وبين قوم لهم إلف بالسحر، وقوله: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} على لسان الملأ من قوم فرعون تدل على أن القائل للعبارة أدنى من المقول لهم، فالمفروض أن فرعون هو صاحب الأمر على الجميع، ومجيء القول: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} يدل على أن الذي يأمر في مسائل مثل هذه هو فرعون، وهذا يشعر بأن فرعون قد أدرك أن مكانته قد انحطت وأنه نزل عن كبريائه وغطرسته. أو أن يكون ذلك من فرعون تطييبا لقلوب من حوله، وأنه لا يقطع أمرا إلا بالمشورة، فكيف تشاور الناس يا فرعون وأنت قد غرست في الناس أنك إله؟ وهل يشاور الإله مألوها؟. إن قولك هذا يحمل الخيبة فيك لأنك تدعي الألوهية ثم تريد أن تستعين بأمر المألوه.
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :
من الهداية: -مكر الملأ و خبثهم إذ اتهموا موسى سياسياً بأنه يريد الملك و هو كذب بحت و إنما يريد إخراج بني إسرائيل من مصر حيث طال استعبادهم و امتهانهم من قبل الأقباط و هم أبناء الأنبياء و أحفاد إسرائيل و إسحاق و إبراهيم عليهم السلام.- فضيحة فرعون حيث نسي دعواه للربوبية، فاستشار الملأ في شأنه، إذ الرب الحق لا يستشير عباده فيما يريد فعله لأنه لا يجهل ما يحدث مستقبلاً.