اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُمۡۖ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ} (110)

قوله : " فَمَاذَا تَأْمُرُونَ " قد تقدَّم الكلامُ على " ماذا " ، والجمهور على " تَأمُرُونَ " بفتح النُّونِ ، وروى كردم{[16655]} عن نافعٍ كسرها ، وعلى كلتا القراءتين يجوز أن تكون " ماذا " كلمة اسماً واحداً في محلِّ نصب على أنَّهُ مفعولٌ ثانٍ ل " تَأمُرُون " بعد حذف الياء ، ويكون المفعول الأوَّلُ ل " تَأمُرُونَ " محذوفاً ، وهو ياء المتكلم والتقديرُ : بأي شْيءٍ تأمرونني .

وعلى قراءة نافع لا تَقُول إنَّ المفعول الأوَّلَ محذوف ، بل هو في قوَّةِ المَنْطُوق به ؛ لأنَّ الكسرة دالة عليه ، فهذا الحَذْفُ غير الحذف في قراءة الجماعة .

ويجوزُ أن تكون " ما " استفهاماً في محل رفع بالابتداء ، و " ذا " موصول ، وصلته " تأمرون " ، والعائد محذوف ، والمفعول الأول أيضا محذوف على قراءة الجماعة ، وتقدير العائد منصوب المحل غير معدى إليه بالباء فتقديرُهُ : فما الذي تأمرونيه .

وقدّره ابن عطية " تَأمُرُونِي بِهِ " ، وردَّ عليه أبُو حيَّان بأنَّهُ يلزم من ذلك حذف العائد المجرور بحرف لم يجر الموصول بمثله ، ثم اعتذر عنه بأنَّه أراد التقدير الأصلي ، ثم اتّسع فيه بأن حذف الحرف ، فاتّصل الضَّميرُ بالفعل . وهذه الجملة هل هي من كلام المَلأ ، ويكونُون قد خاطبوا فِرعَوْنَ بذلك وحده تعظيماً له كما يُخاطب الملوك بصِيغَةِ الجمع ، أو يكونون قالوه له ولأصحابه أو يكون من كلام فرعون على إضمار قول أي : فقال لهم فرعون فماذا تَأمُرون ويكون كلام الملأ قد تم عند قوله : { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ } ويؤكد كونها من كلام فرعون قوله تعالى : { قالوا أَرْجِهْ } .

وهل " تَأمُرُونَ " من الأمر المعهود أو من الأمر الذي بمعنى المشاورة ؟ والثاني منقول عن ابن عباس{[16656]} .

وقال الزمخشريُّ : " هو من أمَرْتُه فأمرني بكذا أي : شاورته فأشار عليَّ برأي " .


[16655]:ينظر: المحرر الوجيز 2/437، والبحر المحيط 4/359، والدر المصون 3/317.
[16656]:ذكره القرطبي في تفسيره 7/164 عن ابن عباس.