ثم واصلت السورة الكريمة تسليتها للرسول صلى الله عليه وسلم حيث أمرته بالصبر ، وذكرت له - بشئ من التفصيل - قصص بعض الأنبياء - عليهم السلام - وبدأت بقصة داود - عليه السلام - الذى آتاه الله الملك والنبوة قال - تعالى - : { اصبر على مَا يَقُولُونَ واذكر . . . } .
الخطاب فى قوله - تعالى - : { اصبر على مَا يَقُولُونَ . . . } للنبى صلى الله عليه وسلم ، أى : اصبر - أيها الرسول الكريم - على ما قاله أعدؤك فيك وفى دعوتك لقد قالوا عنك إنك ساحر ومجنون وكاهن وشاعر . . وقالو عن القرآن الكريم : إنه أساطير الأولين . . وقالوا فى شأن دعوتك إياهم إلى وحدانية الله - تعالى - { مَا سَمِعْنَا بهذا فِى الملة الآخرة إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق } وقالوا غير ذلك مما يدل على جهلهم وجحودهم للحق ، وعليك - أيها الرسول الكريم - أن تصبر على ما صدر منهم من أباطيل ، فإن الصبر مفتاح الفرج ، وهو الطريق الذى سلكه كل نبى من قبلك .
وقال - سبحانه - : { اصبر على مَا يَقُولُونَ } بصيغة المضارع ، لاستحضار الصورة الماضية . وللإِشعار بأن ما قالوه فى الماضى سيجددونه فى الحاضر وفى المستقبل فعليه أن يعد نفسه لاستقبال هذه الأقوال الباطلة بصبر وسعة صدر حتى يحكم الله - تعالى - بحكمه العادل ، بينه وبينهم .
وقوله - تعالى - : { واذكر عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيد إِنَّهُ أَوَّابٌ } معطوف على جملة { واصبر } . .
وداود - عليه السلام - : هو ابن يسى من سبط " يهوذا " بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وكانت ولادة داود فى حوالى القرن الحادى عشر قبل الميلاد . وقد منحه الله - تعالى - النبوة والملك .
وقوله - تعالى - { ذَا الأيد } صفة لداود ، والأَيْد : القوة . يقال : آدَ الرجل يئيد أَيْداً وإيادا ، إذا قوى واشتد عوده ، فهو أَيِّد . ومنه قولهم فى الدعاء : أيدك الله . أى : قواك و { أَوَّابٌ } صيغة مبالغة من آب إذا رجع .
أى : اصبر - أيها الرسول الكريم - على أذى قومك حتى يحكم الله بينك وبينهم واذكر - لتزداد ثباتا وثقة - قصة وحال عبدنا داود ، صاحب القوة الشديدة فى عبادتنا وطاعتنا وفى دحر أعدائنا . . { إِنَّهُ أَوَّابٌ } أى : كثير الرجوع إلى ما يرضينا .
القول في تأويل قوله تعالى : { اصْبِر عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيْدِ إِنّهُ أَوّابٌ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : اصبر يا محمد على ما يقول مشركو قومك لك مما تكره قيلهم لك ، فإنا ممتحنوك بالمكاره امتحاننا سائر رسلنا قبلك ، ثم جاعلو العلوّ والرفعة والظفر لك على من كذبك وشاقّك سنتنا في الرسل الذين أرسلناهم إلى عبادنا قبلك فمنهم عبدنا أيوب وداود بن إيشا ، فاذكره ذا الأيد ويعني بقوله : ذَا الأَيْدِ ذا القوّة والبطش الشديد في ذات الله والصبر على طاعته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( دَاوُد ذَا الأَيْدِ ) : قال : ذا القوّة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثني أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ذَا الأَيْد ) : قال : ذا القوّة في طاعة الله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنا دَاوُدَ ذَا الأَيْد ) : قال : أعطي قوّة في العبادة ، وفقها في الإسلام .
وقد ذُكر لنا أن داود صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ( دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ ) : ذا القوّة في طاعة الله .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ ) : قال : ذا القوّة في عبادة الله ، الأيد : القوّة ، وقرأ : ( والسّماءَ بَنَيْناها بأَيْدٍ ) : قال : بقوّة .
وقوله : ( إنّهُ أوّابٌ ) : يقول : إن داود رَجّاع لما يكرهه الله إلى ما يرضيه أوّاب ، وهو من قولهم : آب الرجل إلى أهله : إذا رجع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( إنّهُ أوّابٌ ) : قال : رجاع عن الذنوب .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( إنّهُ أوّابٌ ) : قال : الراجع عن الذنوب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( أنّهُ أوّابٌ ) : أي كان مطيعا لله كثير الصلاة .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ( إنّهُ أوّابٌ ) : قال : المسبّح .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنّهُ أوّابٌ ) : قال : الأوّاب التوّاب الذي يؤوب إلى طاعة الله ويرجع إليها ، ذلك الأوّاب ، قال : والأوّاب : المطيع .
{ اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود } واذكر لهم قصته تعظيما للمعصية في أعينهم ، فإنه مع علو شأنه واختصاصه بعظائم النعم والمكرمات لما أتى صغيرة نزل عن منزلته ووبخه الملائكة بالتمثيل والتعريض حتى تفطن فاستغفر ربه وأناب فما الظن بالكفرة وأهل الطغيان ، أو تذكر قصته وصن نفسه أن تزل فيلقاك ما لقيه من المعاتبة على إهمال عنان نفسه أدنى إهمال . { ذا الأيد } ذا القوة يقال فلان أيد وذو أيد وآد وأياد بمعنى . { إنه أواب } رجاع إلى مرضاة الله تعالى ، وهو تعليل ل { الأيد } ودليل على أن المراد به القوة في الدين ، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم نصف الليل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.