محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِينَ} (84)

[ 84 ] { وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين 84 } .

{ وقال موسى } أي تطمينا لقلوبهم ، وإزالة للخوف عنهم { يا قوم إن كنتم آمنتم بالله / فعليه توكلوا } أي فإليه أسندوا أمركم في العصمة مما تخافون ، وبه ثقوا ، فإنه كافيكم { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } {[4778]} وقوله : { إن كنتم مسلمين } أي مخلصين وجوهكم له .

قال القاشاني : جعل التوكل من لوازم الإسلام ، وهو إسلام الوجه لله تعالى ، أي إن كمل إيمانكم ويقينكم ، بحيث أثر في نفوسكم ، وجعلها خالصة لله ، لزم التوكل عليه ، وإن أريد ( الإسلام ) بمعنى الانقياد ، كان شرطا في التوكل ، لا ملزوما له . وحينئذ يكون معناه : إن صح إيمانكم يقينا فعليه توكلوا ، بشرط أن تكونوا منقادين . كما نقول : إن كرهت هذا الشجر فاقلعه إن قدرت انتهى .

وقال الكرخيّ : قوله تعالى { إن كنتم مسلمين } أي منقادين لأمره . فقوله : { فعليه توكلوا } جواب الشرط الأول . والشرط الثاني وهو { إن كنتم مسلمين } شرط في الأول . وذلك أن الشرطين متى لم يترتبا في الوجود ، فالشرط الثاني شرط في الأول . ولذلك لم يجب تقديمه على الأول . قال الفقهاء : المتأخر يجب أن يكون متقدما ، والمتقدم يجب أن يكون متأخرا . مثاله : قول الرجل لامرأته : إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدا . فمجموع قوله : ( إن دخلت الدار فأنت طالق ) مشروط بقوله ( إن كلمت زيدا ) والمشروط متأخر عن الشرط ، وذلك يقتضي أن يكون المتأخر في اللفظ ، متقدما في المعنى . وأن يكون المتقدم في اللفظ متأخرا في المعنى فكأنه يقول لامرأته : حال ما كلمت زيدا إن دخلت الدار فأنت طالق . فلو حصل هذا المعلق قبل إن كلمت زيدا لم يقع الطلاق فقوله تعالى : { إن كنتم آمنتم . . . } الخ يقتضي أن يكون كونهم مسلمين ، شرطا لأن يصيروا مخاطبين بقوله : { إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا } فكأنه تعالى يقول للمسلم حال إسلامه : إن كنت من المؤمنين بالله فعلى الله توكل . والأمر كذلك ، لأن الإسلام عبارة عن الاستسلام ، / وهو الانقياد لتكاليف الله ، وترك التمرد والإيمان عبارة عن معرفة القلب بأن واجب الوجود لذاته واحد ، وما سواه محدث تحت تدبيره وقهره . وإذا حصلت هاتان الحالتان فعند ذلك يفوض العبد جميع أموره إليه تعالى ، ويحصل في القلب نور التوكل على الله تعالى . انتهى .


[4778]:[65 / الطلاق / 3].