الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِينَ} (84)

وقوله سبحانه : { وَقَالَ موسى يا قوم إِن كُنتُم آمَنتُم بالله فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا } [ يونس : 84 ] .

هذا ابتداءُ حكايةِ قوْلِ موسَى لجماعةِ بني إِسرائيل ؛ مُؤَنِّساً لهم ، ونادباً إِلى التوكُّل على اللَّه عزَّ وجلَّ الذي بيده النصْرُ .

قال المُحَاسِبيُّ : قُلْتُ لأبي جعفرٍ محمَّدِ بنِ موسَى : إِنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ يقول : { وَعَلَى الله فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ المائدة : 23 ] فما السَّبِيلُ إِلى هذا التوكُّل الذي نَدَبَ اللَّه إِلَيْهِ ؟ وكيف دُخُولُ الناس فيه ؟ قال : إِن الناس متفاوِتُون في التوكُّل ، وتوكُّلُهم علَى قَدْرِ إِيمانهم وقوَّةِ عُلُومهم ، قُلْتُ : فمن معنى إِيمانهم ؟ قال : تصديقُهُم بمواعيدِ اللَّه عزَّ وجلَّ ، وثِقَتُهُم بضَمَانِ اللَّه تبارَكَ وتعالَى ، قلْتُ : مِنْ أَيْنَ فَضَلَتِ الخاصَّة منهم على العامَّة ، والتوكُّل في عَقْد الإِيمان مع كلِّ من آمن باللَّه عزَّ وجلَّ ؟ قال : إِنَّ الذي فَضَلَتْ به الخاصَّة على العامَّة دَوَامُ سكونِ القَلْب عن الاضطراب والهُدُوء عن الحرَكَة ، فعندها ، يا فَتَى ، استراحوا من عذاب الحِرْصِ ، وفُكُّوا مِنْ أُسْرِ الطمع ، وأُعْتِقُوا من عُبُودِيَّة الدنيا ، وأبنائِها ، وحَظُوا بالرَّوْحِ في الدَّارَيْنِ جميعاً ، فطوبَى لهم وحُسْنُ مَآب ، قلْتُ : فما الذي يولِّدُ هذا ؟ قال : حَالَتَانِ ، دَوَامُ لُزُومِ المعرفة ، والاعتماد على اللَّه عزَّ وجلَّ ، وتَرْكُ الحِيل .

والثانية : الممارسَةُ حتى يَأْلَفَهَا إِلْفاً ، ويختارها اختيارا ، فيصير التوكُّل والهُدُوء والسكونُ والرضى والصبْرُ له شعاراً ودثاراً ، انتهى من كتاب «القَصْدِ إِلى اللَّه سبحانه » .