اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِينَ} (84)

قوله تعالى : { وَقَالَ موسى يا قوم إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بالله } الآية .

قوله تعالى : " فَعَليْهِ " جوابُ الشرط ، والشرط الثاني - وهو " إن كنتم مُسلمينَ " - شرطٌ في الأول ، وذلك أنَّ الشَّرطين متى لمْ يترتَّبا في الوجودِ ، فالشَّرطُ الثَّاني شرطٌ في الأول ، ولذلك يجب تقدُّمُه على الأول ، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك [ البقرة : 38 ] .

قال الفقهاء : المتأخر يجب أن يكون متقدماً ، والمتقدِّم يجب أن يكون متأخراً ، مثاله قول الرَّجُلِ لامرأته : إن دخلت الدار ، فأنت طالقٌ إن كلمت زيداً ، والمشروط متأخِّر عن الشَّرطِ ، وذلك يقتضي أن يكون المتأخِّر في اللفظ ، متقدماً في المعنى ، وأن يكون المتقدم في اللفظ متأخراً في المعنى ، فكأنَّه يقول لامرأته : حال ما كلمت زيداً إن دخلت الدَّار ، فأنت طالقٌ ، فلو حصل هذا التعليقُ ، قيل : إن كلَّمَتْ زيداً لمْ يقع الطلاق .

قوله : { ن كُنتُمْ آمَنتُمْ بالله فَعَلَيْهِ توكلوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } يقتضي أن يكون كونهم مسلمين شرطاً ؛ لأن يصيروا مخاطبين بقوله : { إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بالله فَعَلَيْهِ توكلوا } فكأنَّه - تعالى - يقول للمسلم حال إسلامه : إن كنت من المؤمنين بالله فعلى الله توكَّلْ ، والأمر كذلك ؛ لأنَّ الإسلام عبارة عن الاستسلام ، وهو الانقياد لتكاليف الله ، وترك التمرد ، والإيمان عبارةٌ عن صيرورة القلب ، عارفاً بأن واجب الوُجُود لذاته واحدٌ ، وأنَّ ما سواه محدث مخلُوق تحت تدبيره ، وقهره ، وإذا حصلت هاتان الحالتان ، فعند ذلك يفوِّض العبدُ جميع أموره إلى الله - تعالى ، ويحصُلُ في القلب نور التَّوكُّل على الله - تعالى - .

فصل

إنما قال : " فعليه توكَّلُوا " ولم يقل : " توكَّلُوا على اللهِ " ، لأن الأول يفيد الحصر ، كأنه - عليه الصلاة والسلام - أمرهم بالتَّوكُّل عليه ، ونهاهُم عن التوكُّلِ على الغير .