البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِينَ} (84)

وفي الآية مسلاة للرسول صلى الله عليه وسلم بقلة من آمن لموسى ومن استجاب له مع ظهور ذلك المعجز الباهر ، ولم يؤمن له إلا ذرية من قومه ، وخطاب موسى عليه السلام لمن آمن بقوله : يا قوم ، دليل على أن المؤمنين الذرية كانوا من قومه ، وخاطبهم بذلك حين اشتد خوفهم مما توعدهم به فرعون من قتل الآباء وذبح الذرية .

وقيل : قال لهم ذلك حين قالوا إنا لمدركون .

وقيل : حين قالوا : أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ، قيل : والأول هو الصواب ، لأنّ جواب كل من القولين مذكور بعده وهو :

{ كلا إن معي ربي سيهدين } وقوله : { عسى ربكم أن يهلك عدوكم } الآية وعلق توكلهم على شرطين : متقدم ، ومتأخر .

ومتى كان الشرطان لا يترتبان في الوجود فالشرط الثاني شرط في الأول ، فمن حيث هو شرط فيه يجب أن يكون متقدماً عليه .

فالإسلام هو الانقياد للتكاليف الصادرة من الله ، وإظهار الخضوع وترك التمرّد ، والإيمان عرفان القلب بالله تعالى ووحدانيته وسائر صفاته ، وأنّ ما سواه محدث تحت قهره وتدبيره .

وإذا حصل هذان الشرطان فوض العبد جميع أموره إلى الله تعالى ، واعتمد عليه في كل الأحوال .

وأدخل أنْ على فعلي الشرط وإن كانت في الأغلب إنما تدخل على غير المحقق مع علمه بإيمانهم على وجه إقامة الحجة وتنبيه الأنفس وإثارة الأنفة ، كما تقول : إن كنت رجلاً فقاتل ، تخاطب بذلك رجلاً تريد إقامة البينة .

وطول ابن عطية هنا في مسألة التوكل بما يوقف عليه في كتابه .