محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيۡهِ قَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهۡلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةٖ مُّزۡجَىٰةٖ فَأَوۡفِ لَنَا ٱلۡكَيۡلَ وَتَصَدَّقۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَجۡزِي ٱلۡمُتَصَدِّقِينَ} (88)

وقوله تعالى :

[ 88 ] { فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين 88 } .

{ فلما دخلوا عليه } أي على يوسف بعدما رجعوا إلى مصر ، ولانفهامه من المقام طوى ذكره إيجازا { قالوا : يا أيها العزيز } أي : الملك القادر ، الممتنع ، { مسنا وأهلنا الضر } أي : الشدة من الجدب ، { وجئنا ببضاعة مزجاة } أي : بدراهم قليلة في مقابلة ما نمتاره . استقلوا الثمن واستحقروه اتضاعا لهيبة الملك ، واستجلابا لرأفته وحنانه . وأصل معنى ( التزجية ) : الدفع والرمي ، فكنوا به عن القليل الذي يدفع ، رغبة عنه ، لذلك { فأوف لنا الكيل } أي : أتممه ووفره بهذه الدراهم المزجاة ، كما توفره بالدراهم الجياد .

{ وتصدق علينا } أي : برد أخينا ، أو بالإيفاء ، أو بالمسامحة وقبول ما لا يعد عوضا . { إن الله يجزي المتصدقين } أي يثيبهم أحسن المثوبة .

/ تنبيهات :

الأول - في الآية إرشاد إلى أدب جليل ، وهو تقديم الوسائل أمام المآرب ، فإنها أنجح لها . وهكذا فعل هؤلاء : قدموا ما ذكر من رقة الحال ، والتمسكن ، وتصغير العوض ، ولم يفجؤوه بحاجتهم ، ليكون ذريعة إلى إسعاف مرامهم ، ببعث الشفقة ، وهز العطف والرأفة ، وتحريك سلسلة الرحمة كما قدمنا - ومن ثم رق لهم ، وملكته الرحمة عليهم ، فلم يتمالك أن عرّفهم نفسه ، كما يأتي .

الثاني يؤخذ من الآية جواز شكوى الحاجة لمن يرجى منه إزالتها .

الثالث - استدل بعضهم بقوله تعالى : { فأوف لنا الكيل } على أن أجرة الكيال على البائع ، لأنه إذا كان عليه توفية الكيل ، فعليه مؤنثه ، وما يتم به .

الرابع - استدل بقوله تعالى : { وتصدق علينا } من قال : إن الصدقة لم تكن محرمة على الأنبياء كذا في ( الإكليل ) وهذا بعد تسليم نبوة إخوة يوسف . وفيها خلاف . وسيأتي في التنبيهات ، آخر السورة ، تحقيق ذلك .

الخامس - في قوله تعالى : { إن الله يجزي المتصدقين } حث على الإحسان ، وإشارة إلى أن المحسن يجزى أحسن جزاء منه تعالى ، وإن لم يجزه المحسن إليه .