محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (94)

وقوله تعالى :

/ [ 94 ] { ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون 94 } .

{ ولما فصلت العير } أي خرجت من مصر . يقال : فصل القوم عن المكان وانفصلوا ، بمعنى فارقوه . { قال أبوهم } أي : لحفدته ومن حوله من قومه ، من عظم اشتياقه ليوسف ، وانتظاره لروح الله : { إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون } الريح : الرائحة ، توجد في النسيم . أي : لأتنسم رائحته مقبلة إلي . كناية عن تحققه وجوده بما ألقى الله في روعه من حياته ، وساق إليه من نسائم البشارة الغيبية بسلامته . وقد كان عظم رجاؤه بذلك من مولاه ، ووثق بنيل مأموله ومبتغاه ، ولذلك نهى نبيه عن الاستيئاس من روح الله . وإذا دنا أجل الضراء ، أخذت تهب نسائم الفرج حاملة عرف السراء ، يدري ذلك كل من قوي إحساسه ، وعظمت فطنته ، واستنارت بصيرته ، فيكاد أن يلمس في نهاية الشدة زهر الفرج ، ولا يحنث إن آلى أنه يجد من نسيمه أزكى الفرج . عرف ذلك من عرف ، فأحرى بمن نالوا من النبوة ذروة الشرف .

وإضافة الريح إلى الولد معروفة في كلامهم : وفي حديث عند الطبراني : " ريح الولد من ريح الجنة " . وقال الشاعر :

يا حبذا ريح الولد *** ريح الخزامى في البلد

وقوله : { لولا أن تفندون } بمعنى إلا أنكم تفندون . أو لولاه لصدقتموني . و ( فنّده ) نسبه إلى الفند بفتحتين ، وهو ضعف الرأي والعقل من الهرم وكبر السن .

قال في ) العناية ( : " مأخوذ من الفند ، وهو الحجر والصخرة ، كأنه جعل حجرا لقلة فهمه ، كما قال :

إذا أنت لم تعشق ولم تذر ما الهوى *** فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا

ثم اتسع فيه فقيل : فنده ، إذ ضعّف رأيه ، ولامه على ما فعله .