محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنَّ إِلَٰهَكُمۡ لَوَٰحِدٞ} (4)

بسم الله الرحمن الرحيم

{ والصافات صفا* فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا* فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا* إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ } افتتح تعالى هذه السورة بالقسم ببعض مخلوقاته ، إظهارا لعظم شأنها وكبر فوائدها . وتنبيها إلى الاعتبار بصفتها وما تستدعيه من سمتها . و { الصافات } جمع صافة ، طائفة صافة ، أو جماعة صافة . فيكون في المعنى جمع الجمع . أو على تأنيث مفرده باعتبار أنه ذات ونفس ، والمراد بالصافات الملائكة . لقيامها مصطفة في مقام العبودية لمالك الملك . من قوله تعالى {[6344]} { وإنا لنحن الصافون } أو لصفها أجنحتها في الهواء واقفة منتظرة لأمر الله تعالى . و { الزاجرات } أي : الناس عن المعاصي ، بإلهام الخير . من ( الزجر ) بمنى المنع والنهي . أو الزاجرات الأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور به . من ( الزجر ) بمعنى السوق والحث . و { التاليات } أي : آياته تعالى على أنبيائه عليهم السلام ، وقيل : الصافات الطير . من قوله تعالى {[6345]} { والطير صافات } و { الزاجرات } ، كل من زجر عن معاصي الله . و { التاليات } كل من تلا كتاب الله . أو هم العلماء الصافون في العبادات أقدامهم ، الزاجرون عن الكفر والفسوق بالحجج والنصائح ، التالون آيات الله وشرائعه . أو هم الغزاة الصافون في الجهاد ، والزاجرون الخيل أو العدو ، التالون لذكر الله ، لا يشغلهم فيها عن مبارزة العدو . وقد ذكر / غيرها هذا ، مما يشمله اللفظ ولا يأباه . وبالجملة ، فالعطف إما لاختلاف الذوات أو الصفات . وإيثار الفاء على ( الواو ) لقصد الترتيب والتفاضل طردا أو عكسا . أما الأول فاعتناء بالأهم فالأهم . وأما الثاني فالترقي إلى الأعلى . و { صفا } و { زجرا } مصدر مؤكد . وكذا { ذكرا } ويجوز فيه كونه مفعولا به . قال الناصر : وفي هذه الآية دلالة على مذهب سيبويه والخليل في مثل{[6346]} { والليل إذا يغشى* والنهار إذا تجلى } فإنهما يقولان : الواو الثانية وما بعدها عواطف . وغيرهما يذهب إلى أنها حروف قسم . فوقوع الفاء في هذه الآية موقع الواو . والمعنى واحد . إلا أن ما تزيده الفاء من ترتيبها ، دليل واضح على أن الواو الوقعة في مثل هذا السياق ، للعطف لا للقسم . انتهى .

وقوله تعالى { إن إلهكم لواحد } جواب للقسم . وفي تأكيد المقسم عليه بتقديم الإقسام وتوكيد الجملة ، اهتمام به بتحقيق الحق فيه الذي هو التوحيد ، وتمهيد لما يعقبه من البرهان الناطق به ، وهو قوله تعالى : { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ } .


[6344]:[37 / الصافات / 165].
[6345]:[24 / النور/ 41].
[6346]:[92/الليل/1و2].