نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ إِلَٰهَكُمۡ لَوَٰحِدٞ} (4)

{ إن إلهكم } أي الذي اتخذتم من دونه آلهة { لواحد * } أي فإن التفرق لا يأتي بخير ، لما يصحبه من العجز البعيد جداً عن الكمال الذي لا تكون الإلهية أصلاً إلا معه ، فإليه لا إلى غيره ترجعون ليفصل بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ، وهو الذي أنزل هذا الكتاب بعزته ورحمته وحرسه من اللبس وغيره بما سيذكر من كبريائه وعظمته ولو لم يكن واحداً لاختل أمر هذا الاصطفاف والزجر والتلاوة ، وما يترتب عليها ، فاختل نظام هذا الوجود الذي نشاهده كما نشاهد في أحوال الممالك عند اختلاف الملوك في تغيير العوائد ونسخ الشرائع التي كان من قبلها أطدها وجميع ما له من الآثار والخصائص ، ونحن نشاهد هذا الوجود على ما أحكمه سبحانه وتعالى لا يتغير شيء منه عن حاله الذي حده له ، فعلمنا أنه واحد لا محالة متفرد بالعظمة ، لا كفوء له من غير شك .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما تضمنت سورة يس من جليل التنبيه وعظيم الإرشاد وما يهتدي الموفق باعتبار بعضه ، ويشتغل المعتبر به في تحصيل مطلوبه وفرضه ، ويشهد بأن الملك بجملته لواحد ، وإن رغم أنف المعاند والجاحد ، أتبعها تعالى بالقسم علة وحدانيته فقال تعالى { والصافات } - الآية إلى قوله تعالى { إن إلهكم لواحد } إلى قوله { ورب المشارق } ثم عاد الكلام إلى التنبيه لعجيب مصنوعاته فقال تعالى { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } إلى قوله { شهاب ثاقب } ثم أتبع بذكر عناد من جحد مع بيان الأمر ووضوحه وضعف ما خلقوا منه { إنا خلقناهم من طين لازب } ثم ذكر استبعادهم العودة الأخروية وعظيم حيرتهم وندمهم إذا شاهدوا ما به كذبوا ، والتحمت الآي إلى ذكر الرسل مع أممهم وجريهم في العناد والتوقف والتكذيب على سنن متقارب ، وأخذ كل بذنبه ، وتخليص رسل الله وحزبه ، وإبقاء جميل ذكرهم باصطفائهم وقربه ، ثم عاد الكلام إلى تعنيف المشركين وبيان إفك المعتدين إلى ختم السورة - انتهى .