محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمۡ يَقُولُونَ نَخۡشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٞۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأۡتِيَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرٖ مِّنۡ عِندِهِۦ فَيُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ نَٰدِمِينَ} (52)

ثم بين تعالى كيفية توليهم . وأشعر بسببه وبما يؤول إليه أمره . فقال سبحانه :

[ 52 ] { فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ( 52 ) } .

{ فترى الذين في قلوبهم مرض } أي : نفاق وشك في وعد الله لإظهار دينه { يسارعون فيهم } أي : في مودتهم في الباطن والظاهر ، من غير نظر فيما يلحقهم من الضرر في دين الله ، والفضيحة بالنفاق { يقولون } أي : في عذرهم { نخشى أن تصيبنا دائرة } أي : من دوائر الزمان ، وصرف من صروفه ، فتكون الدولة لهم ، فنحتاج إليهم ، فنحن نتحفظ عن شرهم ، ولا يتفكرون في أن الدائرة ربما تصيب من يوالونهم . والدائرة من الصفات الغالبة التي لا يذكر معها موصوفها . وأصلها : الخط المحيط بالسطح . استعيرت لنوائب الزمان ، بملاحظة إحاطتها واستعمالها في المكروه . و ( الدولة ) ضدها ، وقد ترد بمعنى ( الدائرة ) أيضا ، لكنه قليل . كذا في ( العناية ) .

/ ثم رد تعالى عللهم الباطلة ، وقطع أطماعهم الفارغة ، وبشر المؤمنين بالظفر بقوله سبحانه : { فعسى الله أن يأتي بالفتح } أي : فتح مكة ، عن السدي . أو فتح قرى اليهود من خيبر وفدك ، عن الضحاك . وقال قتادة ومقاتل : هو القضاء الفصل بنصره صلى الله عليه وسلم على أعدائه ، وإظهار المسلمين { أو أمر من عنده } يقطع شأنه اليهود ، ويجليهم عن بلادهم { فيصبحوا } أي : المنافقون { على ما أسروا في أنفسهم } من الشك في ظهور الإسلام ، أو من النفاق { نادمين } لافتضاحهم بالنفاق مع الفريقين . وتعليق الندامة بما كانوا يكتمونه- لا بما كانوا يظهرونه من موالاة الكفر- لما أنه الذي كان يحملهم على الموالاة ويغريهم عليها . فدل ذلك على ندامتهم عليها بأصلها وسببها .