ذلك هو الجزاء الذي جازاهم إياه الله بكفرهم النعمة وعدم شكرها ، { وَهَلْ نجزي إِلاَّ الكفور } .
كان سد مأرب من أعظم السدود التي تجمع المياء في اليمن ، وكان يسقي مساحة كبيرة قدرها المؤرخون والخبراء بنحو ثلاثمائة ميل مربع .
وكانت مدينة مأرب أغنى المدن القديمة في جنوب شبه الجزيرة العربية ومن أهم المراكز لحضارةٍ وثقافة قديمتين ، يرجع تاريخهما إلى ما قبل ثلاثة آلاف عام مضت . وكانت محطةَ استراحة لرحلات طويلة لقوافل التصدير التي كانت تنقل المنتجاتِ الزراعيةَ والصناعية كالبخور واللبان والدارصيني والمُرَ والقرنفل والبلسم وسائر العطور ، وكذا الصمغ والقرفة ثم الأحجار الكريمة ، والمعادن . . . . وعلى مسافة كيلومترين إلى الجنوب من مدينة مأرب يقوم أحد روائع الفن اليمني القديم وهو معبد « المقه » ، ومعناه في لغة سبأ « الإله القمر » ، ويطلق عليه المؤرخون : عرش بلقيس . وهو بناء ضخم على شكل مثلث لا يزال محتفظا برونقه الزاهي ومظهره المصقول ، ويبلغ قُطره نحو ألف قدم ، ولا تزال بعض أعمدته قائمة حتى اليوم .
ولا تزال آثار السد باقيةً إلى الآن ، ويرجع تاريخ بنائه إلى ما قبل 2700 عام ، وقد بناه سبأ الأكبر حفيد جد العرب : يعرب بن قحطان . « ملخص عن اليمن عبر التاريخ » .
قرأ حمزة ويعقوب والكسائي وحفص : { هل نجازي إلا الكفورَ } نجازي بالنون وبنصب الكفور ، والباقون : { هل يجازي الا الكفورُ } يجازى بالياء مبني للمجهول والكفور مرفوع .
قوله تعالى : { ذلك جزيناهم بما كفروا } أي : ذلك الذي فعلنا بهم جزيناهم بكفرهم ، { وهل نجازي إلا الكفور } قرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص ، ويعقوب : وهل نجازي بالنون وكسر الزاي ، الكفور نصب لقوله : ذلك جزيناهم ، وقرأ الآخرون بالياء وفتح الزاي ، الكفور نصب لقوله ذلك جزيناهم . وقرأ الآخرون بالياء وفتح الزاي( الكفور ) رفع ، أي : وهل يجازي مثل هذا الجزاء إلا الكفور . وقال مجاهد : يجازي أي : يعاقب . ويقال في العقوبة : يجازي ، وفي المثوبة يجزي . قال مقاتل : هل يكافأ بعمله السيئ إلا الكفور لله في نعمه . قال الفراء : المؤمن يجزى ولا يجازى ، أي : يجزى الثواب بعمله ولا يكافأ بسيئاته .
قوله تعالى : " ذلك جزيناهم بما كفروا " أي هذا التبديل جزاء كفرهم . وموضع " ذلك " نصب ، أي جزيناهم ذلك بكفرهم . " وهل يجازى إلا الكفور " قراءة العامة " يجازى بياء مضمومة وزاي مفتوحة ، " الكفور " رفعا على ما لم يسم فاعله . وقرأ يعقوب وحفص وحمزة والكسائي : " نجازي " بالنون وكسر الزاي ، " الكفور " بالنصب ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، قالا : لأن قبله " جزيناهم " ولم يقل جوزوا . النحاس : والأمر في هذا واسع ، والمعنى فيه بين ، ولو قال قائل : خلق الله تعالى آدم صلى الله عليه وسلم من طين ، وقال آخر : خلق آدم من طين ، لكان المعنى واحدا .
مسألة : في هذه الآية سؤال ليس في هذه السورة أشد منه ، وهو أن يقال : لم خص الله تعالى المجازاة بالكفور ولم يذكر أصحاب المعاصي ؟ فتكلم العلماء في هذا ، فقال قوم : ليس يجازى بهذا الجزاء الذي هو الإصطلام{[13024]} والإهلاك إلا من كفر . وقال مجاهد : يجازى بمعنى يعاقب ؛ وذلك أن المؤمن يكفر الله تعالى عنه سيئاته ، والكافر يجازى بكل سوء عمله ، فالمؤمن يجزى ولا يجازى لأنه يثاب{[13025]} . وقال طاوس : هو المناقشة في الحساب ، وأما المؤمن فلا يناقش الحساب . وقال قطرب خلاف هذا ، فجهلها في أهل المعاصي غير الكفار ، وقال : المعنى على من كفر بالنعم وعمل بالكبائر . النحاس : وأولى ما قيل في هذه الآية وأجل ما روي فيها : أن الحسن قال مثلا بمثل . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من حوسب هلك ) فقلت : يا نبي الله ، فأين قوله جل وعز : " فسوف يحاسب حسابا يسيرا " {[13026]} [ الإنشقاق : 8 ] ؟ قال :( إنما ذلك العرض ومن نوقش الحساب هلك ) . وهذا إسناد صحيح ، وشرحه : أن الكافر يكافأ على أعماله ويحاسب عليها ويحبط ما عمل من خير ، ويبين هذا قوله تعالى في الأول : " ذلك جزيناهم بما كفروا " وفي الثاني : وهل يجازى إلا الكفور " ومعنى " يجازى " : يكافأ بكل عمل عمله ، ومعنى " جزيناهم " . وفيناهم ، فهذا حقيقة اللغة ، وإن كان " جازى " يقع بمعنى " جزى " . مجازا .
ولما أخبر عن هذا المحق والتقتير بعد ما كانوا فيه من ذلك الملك الكبير ، هول أمره مقدماً للمفعول دلالة على أنه مما يهتم{[56709]} غاية الاهتمام بتعرفه فقال : { ذلك } أي الجزاء العظيم العالي الرتبة في أمر المسخ { جزيناهم } بما لنا من العظمة { بما كفروا } أي غطوا الدليل الواضح .
ولما كان من العادة المستقرة عند ذوي الهمم العوال ، العريقين في مقارعة الأبطال ، المبالغة في جزاء{[56710]} من أساء بعد الإحسان ، وقابل الإنعام بالكفران ، لما أثر في القلوب من الحريق مرة بعد مرة ، وكرة في أثر كرة ، أجرى الأمر سبحانه على هذا العرف ، فقال مشيراً إلى ذلك بصيغة المفاعلة عادّاً لغير جزائهم بالنسبة إليه عدماً ، تهديداً يصدع القلوب ويردع النفوس ، ويدع{[56711]} الأعناق خاضعة والرؤوس : { وهل يجازى } أي هذا الجزاء الذي هو على وجه العقاب{[56712]} من مجاز ما {[56713]}على سبيل المبالغة{[56714]} { إلا الكفور * } أي المبالغ في الكفر ، وقراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم{[56715]} " نجازي " بالنون على أسلوب ما قبله من العظمة ونصب " الكفور " وقال الفراء{[56716]} : المؤمن يجزى ولا يجازى - كأنه يشير إلى أن عقاب المسيء لأجل{[56717]} عمله فهو مفاعلة ، وأما ثواب المطيع فهو فضل{[56718]} من الله لا لأجل عمله ، فإن عمله نعمة من الله ، وذلك لا ينافي المضاعفة ، قال القشيري : كذلك{[56719]} من الناس من يكون في رغد{[56720]} من الحال واتصال من التوفيق وطيب من القلب ومساعدة من الوقت فيرتكب زلة أو يسيء أدباً أو يتبع شهوة ، ولا يعرف قدر ما هو فيه فيغير عليه الحال ، فلا وقت ولا حال ، ولا طرب ولا وصال ، يظلم عليه النهار ، وكانت لياليه مضيئة{[56721]} ببدائع الأنوار .
قوله : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا } { ذَلِكَ } في موضع نصب مفعول ثان مقدم . والإشارة عائدة إلى ما ذكر من التبديل وما أجراه الله عليهم من تخريب بلادهم بالسيل الشديد وإغراق أكثرهم وتمزيقهم في البلاد شذر مذر وإبدالهم بالأشجار ذات الفواكه الطيبة المستلذة ، الخمط والأثل والسِّدر ، وسبب ذلك هو كفرهم بالله وإنكار نعمته . وهو قوله : { جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا } أي جزيناهم التمزيق والتفريق والقحوط بسبب تكذيبهم وجحودهم نعمة الله .
قوله : { وَهَلْ نُجَازِي إِلاّ الْكَفُورَ } { الْكَفُورَ } ، مفعول به ؛ أي هل نجازي مثل هذا الجزاء الشديد إلا المبالغ في الجحود والكفران . وما ينبغي أن يتوجه على ذلك إشكال بأن المؤمن قد يعاقب في العاجل . فإن ما يعاقب به المؤمن ليس بعقاب على الحقيقة بل هو تمحيص{[3803]}