سورة الجاثية مكية وآياتها سبع وثلاثون ، نزلت بعد سورة الدخان . وهي كباقي السور المكية تتناول أسس العقيدة ، التوحيدَ والرسالة والبعثَ ، وتركّز على إثبات دلائل القدرة والوحدانية وتصوّر جانبا من استقبال المشركين للدعوة الإسلامية ، وطريقتهم في مواجهة حُججها وآياتها وتعنّتهم في مواجهة حقائقها وقضاياها . وكيف يعالج القرآن قلوبهم الجامحة مع الهوى ، المغلقة دون الهدى . . يواجهها بآيات الله القاطعة المؤثرة ، ويذكّرهم عذابه ، ويصوّر لهم ثوابه ، ويقرر لهم سُننه ، ويعرفهم بنواميسه في هذا الوجود .
وقد سميت " سورة الجاثية " بقوله تعالى : { وترى كل أمة جاثية ، كل أمة تُدعى إلى كتابها } .
افتتحت السورة بذكر القرآن الكريم وأنه تنزيل من الله العزيز الحكيم ، ثم عرضت أدلة كونية وعقلية لإثبات عقيدة الإيمان والدعوة إلى اعتناقه ، ثم أخذت تعدّد نِعم الله وفضلَه على عباده ، وطلبت من المؤمنين أن يغفروا للمنكرين . . فالله وحده هو الذي يَجزي كل نفس بما كسبت . وقد تحدثت عن بني إسرائيل ، وما تفضّل الله به عليهم ، فجَحدوا النعمة وعصوا أوامر الله ، كما تحدثت عن انقسام الناس أمام هداية الله إلى فريقين : مسلمين ومجرمين . وإذا كان المؤمن يعبد الله ، فإن الكافر إنما يعبد هواه . وشتّان بين الاثنين ! كذلك وتحدّثت السورة عن الدهريّين والطبيعيّين الذين أنكروا وجود الخالق والبعث والجزاء والحياة بعد الموت .
ويسير سياق السورة في عرض موضوعاتها في يُسر وهدوء ، والله في خطابه يأخذ القلوب تارة بالشدة ، وتارة باللمس الناعم الرقيق ، وبالبيان الهادئ الرفيق حسب اختلافها وتنوّع حالاتها ومواقفها " وهو العزيز الحكيم " .
حم : حرفان من الحروف الصوتية ابتدأت بهما هذه السورة وقد سبق الكلام عن مثله .
{ حم } : هذا أحد الحروف الهجائية يكتب هكذا : حم ويقرأ هكذا : حَامِيمْ .
قوله تعالى : { حم } : الله أعلم بمراده به إذ هو من المتشابه الذي أُمرنا أن نؤمن به ونفوض أمر معناه إلى من أنزله سبحانه وتعالى . وقد ذكرنا مرات فائدتين لهذه الحروف المقطعة فلتراجع في أكثر السورة المفتتحة بالحرف والمقطعة كحم الدخان السورة التي قبل هذه السورة .
مكية كلها في قول الحسن وجابر وعكرمة . وقال ابن عباس وقتادة : إلا آية ، هي " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " {[1]} [ الجاثية : 14 ] نزلت بالمدينة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ذكره الماوردي . وقال المهدوي والنحاس عن ابن عباس : إنها نزلت في عمر رضي الله عنه ، شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة ، فأراد أن يبطش به ، فأنزل الله عز وجل : " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " [ الجاثية : 14 ] ثم نسخت بقوله : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " {[2]} [ التوبة : 5 ] . فالسورة كلها مكية على هذا من غير خلاف . وهي سبع وثلاثون آية . وقيل ست .
قوله تعالى : " حم " مبتدأ و " تنزيل " خبره . وقال بعضهم : " حم " اسم السورة .
سورة الجاثية{[1]} وتسمى{[2]} الشريعة
مقصودها الدلالة على أن منزل {[3]}هذا الكتاب{[4]}-كما دل عليه في{[5]} الدخان- ذو العزة ؛لأنه لا يغلبه شيء ، وهو يغلب كل شيء ، والحكمة ؛ لأنه لم يضع شيئا إلا في أحكم مواضعه ، فعلم أنه المختص بالكبرياء فوضع شرعا[ هو-{[6]} ] في غاية الاستقامة لا تستقل العقول بإدراكه ولا يخرج شيء منه عنه ، أمر فيه ونهي ، ورغب[ ورهب-{[7]} ] ثم بطن حتى أنه لا يعرف ، ثم ظهر حتى أنه لا يجهل ، فمن المكلفين [ من حكم-{[8]} ]عقله وجانب هواه فشهد جلاله فسمع وأطاع ، ومنهم من تبع هواه فضل عن نور العقل فزاغ وأضاع{[9]} فاقتضت الحكمة ولا بد أن يجمع سبحانه الخلق ليوم الفصل فيظهر كل الظهور ويدين عباده ليشهد رحمته المطيع وكبرياءه العاصي ، وينشر العدل ويظهر الفضل ، ويتجلى في جميع صفاته لجميع خلقه ، وعلى ذلك دل اسمها الشريعة ، واسمها الجاثية واضح الدلالة فيه إذا تؤمل كل من آيتيهما-والله سبحانه وتعالى الهادي . { بسم الله } الذي تفرد بتمام العز والكبرياء { الرحمن } الذي أحكم رحمته بالبيان العام للسعداء والأشقياء ( الرحيم ) الذي خص بملابس طاعته الأولياء .
{ حم * } أي حكمة محمد إليها المنتهى{[57803]} كما تقدم في الدخان ما أفهم إنزاله من أم الكتاب جملة إلى بيت العزة ، ودل على بركته مما دل على حكمة منزله وعزته{[57804]} بالبشارة والنذارة والإيقاع بالمجرمين بعد طول الحلم{[57805]} والأناة والنجاة للمتقين وغير ذلك من أمور هي في غاية الدلالة على ذلك ؛ لأنها راجعة إلى الحس لمن ألقى السمع ، وهو شهيد ، وأشار إلى سهولتها {[57806]}على من{[57807]} تأمل هذا الذكر المترجم بلسان أعلى الخلق وأكملهم وأشرفهم خلائق{[57808]} وأفضلهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.