تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ} (5)

المشارق : مشارق الشمس وجميع الكواكب والنجوم ، لأن الشمس تشرق كل يوم من جهة وكذلك المغارب لم يذكرها اكتفاء بتعدُّد المشارق .

هو رب السموات والأرض وما بينهما ، وربّ المشارق والمغارب .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ} (5)

ثم تبتدئ " رب السماوات والأرض " على معنى هو رب السموات . النحاس : ويجوز أن يكون " رب السموات والأرض " خبرا بعد خبر ، ويجوز أن يكون بدلا من " واحد " .

قلت : وعلى هذين الوجهين لا يوقف على " لواحد " . وحكى الأخفش : " رب السموات - ورب المشارق " بالنصب على النعت لاسم إن . بين سبحانه معنى وحدانيته وألوهيته وكمال قدرته بأنه " رب السموات والأرض " أي خالقهما ومالكهما " ورب المشارق " أي مالك مطالع الشمس . ابن عباس : للشمس كل يوم مشرق ومغرب ؛ وذلك أن الله تعالى خلق للشمس ثلاثمائة وخمسة وستين كوة في مطلعها ، ومثلها في مغربها على عدد أيام السنة الشمسية ، تطلع في كل يوم في كوة منها ، وتغيب في كوة ، لا تطلع في تلك الكوة إلا في ذلك اليوم من العام المقبل . ولا تطلع إلا وهي كارهة فتقول : رب لا تطلعني على عبادك فإني أراهم يعصونك . ذكره أبو عمر في كتاب التمهيد ، وابن الأنباري في كتاب الرد عن عكرمة . قال : قلت لابن عباس أرأيت ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمية بن أبي الصلت ( آمن شعره وكفر قلبه ) قال : هو حق فما أنكرتم من ذلك ؟ قلت : أنكرنا قوله :

والشمس تطلع كل آخر ليلة *** حمراءَ يصبح لونها يتورَّدُ

ليست بطالعة لهم في رِسْلِهَا *** إلا مُعَذَّبةً وإلا تُجْلَدِ

ما بال الشمس تجلد ؟ فقال : والذي نفسي بيده ما طلعت شمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك ، فيقولون لها اطلعي اطلعي ، فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله ، فيأتيها ملك فيستقل لضياء بني آدم ، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطل بين قرنيه فيحرقه الله تعالى تحتها ، فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما طلعت إلا بين قرني شيطان ولا غربت إلا بين قرني شيطان وما غربت قط إلا خرت لله ساجدة فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن السجود فتغرب بين قرنيه فيحرقه الله تعالى تحتها ) لفظ ابن الأنباري . وذكر عن عكرمة عن ابن عباس قال : صدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم أمية بن أبي الصلت في هذا الشعر :

زُحَلٌ وثورٌ تحت رجلِ يمينه *** والنَّسر للأخرى وليثٌ مرصَدُ

والشمس تطلع كل آخر ليلة *** حمراءَ يصبح لونُها يتَوَرَّدُ

ليست بطالعة لهم في رِسْلِهَا *** إلا معذَّبةً وإلا تُجْلَدُ

قال عكرمة : فقلت لابن عباس : يا مولاي أتجلد الشمس ؟ فقال : إنما اضطره الروي إلى الجلد لكنها تخاف العقاب . ودل بذكر المطالع على المغارب ؛ فلهذا لم يذكر المغارب ، وهو كقوله : " سرابيل تقيكم الحر " [ النحل : 81 ] . وخص المشارق بالذكر ؛ لأن الشروق قبل الغروب . وقال في سورة [ الرحمن ] " رب المشرقين ورب المغربين " [ الرحمن : 17 ] أراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس في الأيام الطوال ، وأقصر يوم في الأيام القصار على ما تقدم في " يس " {[13239]} والله أعلم .


[13239]:راجع ص 27 وما بعدها من هذا الجزء.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ} (5)

ولما ثبت أنه واحد ، أنتج وصفه بقوله : { رب } أي موجد ومالك وملك ومدبر { السماوات } أي الأجرام العالية { والأرض } أي الأجرام السافلة { وما بينهما } أي من الفضاء المشحون من المرافق والمعاون بما تعجز عن عده القوى ، وهذا - مع كونه نتيجة ما مضى - يصلح أن يكون دليلاً عليه لما أشار إليه من انتظام التدبير الذي لا يتهيأ مع التعدد كما أن المقسم به هنا إشارة إلى دليل الوحدانية أيضاً بكونه على نظام واحد دائماً في الطاعة التي أشير إليها بالصف والزجر والتلاوة ، فسبحان من جعل هذا القرآن معجز النظام ، بديع الشأن بعيد المرام .

ولما كان السياق للإفاضة بالتلاوة وغيرها ، وكانت جهة الشروق جهة الإفاضة بالتجلي الموجد للخفايا الموجب للتنزه عن النقائص ، وكان الجميع أليق بالاصطاف الناظر إلى القهر بالائتلاف قال : { ورب المشارق * } أي الثلاثمائة والستين التي تجلى عليكم كل يوم فيها الشمس والقمر وسائر الكواكب السيارة على كر الدهور والأعوام ، والشهور والأيام ، على نظام لا ينحل ، ومسير لا يتغير ولا يختل ، وذكرها يدل قطعاً على المغارب لأنها تختلف بها ، وأعاد الصفة معها تنبيهاً على وضوح دلالتها بما فيها مما السياق له من الاصطفاف الدال على حسن الائتلاف ، وللدلالة على البعث بالآيات بعد الغياب .