الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ} (20)

قوله تعالى : " لكن الذين اتقوا ربهم " لما بين أن للكفار ظلا من النار من فوقهم ومن تحتهم بين أن للمتقين غرفا فوقها غرف ؛ لأن الجنة درجات يعلو بعضها بعضا و " لكن " ليس للاستدرار ؛ لأنه لم يأت نفي كقوله : ما رأيت زيدا لكن عمرا ، بل هو لترك قصة إلى قصة مخالفة للأولى كقولك : جاءني زيد لكن عمرو لم يأت .

" مبنية " قال ابن عباس : من زبرجد وياقوت " تجري من تحتها الأنهار " أي هي جامعة لأسباب النزهة . " وعد الله " نصب على المصدر ؛ لأن معنى " لهم غرف " وعدهم الله ذلك وعدا . ويجوز الرفع بمعنى ذلك وعد الله . " لا يخلف الله الميعاد " أي ما وعد الفريقين .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ} (20)

قوله : { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } : لكن استدراك بين شيئين نقيضين أو ضدين وهما المؤمنون والكافرون . وذلك إخبار من الله عن أهل السعادة والنجاة في الآخرة ؛ إذ أعدّ الله لهم في الجنة منازلا وقصورا شامخات ، طباقا فوق طباق ، محكمات مزخرفات . وفي ذلك روى الإمام أحمد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قلنا : يا رسول الله ، حدّثْنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال : " لبنةَ ذهب ولبنة فضة ، وملاطها المْسْك الأزفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران ، مَن يدخلها ينعم ولا يبأس ويخلدُ ولا يموت ولا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه . ثلاثة لا تُردُّ دعوتهم : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم تُحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماوات ويقول الربًُّ تبارك وتعالى : " وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " .

قوله : { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } : تنساب الأنهار جارية سائحة من تحت المنازل في الجنة وبين خلالها .

قوله : { وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ } : { وَعْدَ } مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله يعني هذا الذي ذكرناه وعد وعده الله عباده المؤمنين . وهو سبحانه { لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ } .