الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ} (45)

قوله تعالى : " ولقد آتينا موسى الكتاب " يعني التوراة " فاختلف فيه " أي آمن به قوم وكذب به قوم . والكناية ترجع إلى الكتاب ، وهو تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ، أي لا يحزنك اختلاف قومك في كتابك ، فقد اختلف من قبلهم في كتابهم . وقيل : الكناية ترجع إلى موسى . " ولولا كلمة سبقت من ربك " أي في إمهالهم . " لقضي بينهم " أي بتعجيل العذاب . " وإنهم لفي شك منه " من القرآن " مريب " أي شديد الريبة . وقد تقدم{[13449]} . وقال الكلبي في هذه الآية : لولا أن الله أخر عذاب هذه الأمة إلى يوم القيامة لآتاهم العذاب كما فعل بغيرهم من الأمم . وقيل : تأخير العذاب لما يخرج من أصلابهم من المؤمنين .


[13449]:راجع ج 9 ص 59 طبعة أولى أو ثانية.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ} (45)

ولما كان التقدير : فلقد آتيناك الكتاب على هذه الصفة من العظمة ، فاختلفت فيه أمتك على ما أعلمناك به أول البقرة من انقسام الناس فعاقبنا الذين تكبروا عليه أن ختمنا على مشاعرهم ، عطف عليه مسلياً قوله مؤكداً لمن يقول من أهل الكتاب إضلالاً : لو كان نبياً ما اختلف الناس عليه ونحو ذلك مما يلبس به : { ولقد آتينا } أي على ما لنا من العظمة { موسى الكتاب } أي الجامع لما فيه هداهم { فاختلف } أي وقع الاختلاف { فيه } أي من أمته كما وقع في هذا الكتاب لأن الله تعالى خلق الخلق للاختلاف مع ما ركب فيهم من العقول الداعية إلى الإنفاق { ولولا كلمة } أي إرادة { سبقت } في الأزل ، ولفت القول إلى صفة الإحسان ترضية بالقدر وتسلية ، وزاد ذلك بإفراده بالإضافة فقال : { من ربك } أي المحسن إليك بتوفيق الصالح لاتباعك وخذلان الطالح بالطرد عنك لإراحتك منه من غير ضرر لدينك وبإهمال كل إلى أجل معلوم ثم إمهال الكل إلى يوم الفصل الأعظم من غير استئصال بعذاب كما صنعنا بغيرهم من الأمم { لقضي } أي وقع القضاء الفيصل { بينهم } المختلفين بإنصاف المظلوم من ظالمه الآن . ولما علم بهذا وغيره أن يوم القيامة قد قدره وجعله موعداً من لا يبدل القول لديه ، فاتضح أنه لا بد منه ولا محيد عنه وهو يجادلون فيه ، قال مؤكداً : { إنهم لفي شك } أي محيط بهم { منه } أي القضاء يوم الفصل { مريب * } أي موقع في الريب وهو التهمة والاضطراب بحيث لا يقدرون على التخلص من دائرته أصلاً .