الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ} (14)

قوله تعالى : " علمت نفس ما أحضرت " يعني ما عملت من خير وشر . وهذا جواب " إذا الشمس كورت " وما بعدها . قال عمر رضي الله عنه لهذا أجري الحديث . وروي عن ابن عباس وعمر رضي الله عنهما أنهما قرآها ، فلما بلغا " علمت نفس ما أحضرت " قالا لهذا أجريت القصة ، فالمعنى على هذا : إذا الشمس كورت وكانت هذه الأشياء ، علمت نفس ما أحضرت من عملها . وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ما بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدمه [ وينظر{[15823]} أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ] بين يديه ، فتستقبله النار ، فمن استطاع منكم أن : يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل ) وقال الحسن : " إذ الشمس كورت " وقع على قوله : " علمت نفس ما أحضرت " كما يقال : إذا نفر زيد نفر عمرو . والقول الأول أصح . وقال ابن زيد عن ابن عباس في قوله تعالى : " إذا الشمس كورت " إلى قوله : " وإذا الجنة أزلفت " اثنتا عشرة خصلة : ستة في الدنيا ، وستة في الآخرة ، وقد بينا الستة الأولى بقول أبي بن كعب .


[15823]:الزيادة من صحيح مسلم.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ} (14)

ولما كانت هذه الأشياء لهولها موجبة لاجتماع الهم وصرف الفكر عما يشغله من زينة أو لهو أو لعب أو سهو ، فكان موجباً للعلم بما يرجى نعيماً أو يوجب جحيماً ، وكان ذلك موجباً-{[71880]} لتشوف السامع إلى ما يكون ، قال تعالى كاشفاً تلك النعمة بالعامل في " إذا " وما عطف عليها : { علمت نفس } أي كل واحدة من النفوس ، فالتنكير فيه مثله في " ثمرة{[71881]} خير من جرادة " ودلالة هذا السياق المهول على ذلك يوجب اليقين فيه { ما } أي كل شيء { أحضرت * } أي-{[71882]} عملت{[71883]} وأوجدت ، فكان أهلاً للحضور ، وكان عمله لها سبباً لإحضار القدير إياه لها في ذلك اليوم محفوظاً لم يغب عنه منها ذرة من خيره وشره ، فلأجل{[71884]} ذلك كان لكل امرىء شأن يعنيه ، فإنه لا بد أن يكون في أعماله ما لا-{[71885]} يرضيه وما يستصغره عن حضرة العلي الكبير ، فمن اعتقد ذلك رغب في أن لا يحضر إلا ما يسره ، ورهب في إحضار ما يسوءه فيضره ، وجميع هذه الأشياء الاثني عشر المعدودة المذكورة في حيز " إذا " في الآخرة بعد النفخة الثانية على ما تقدم في الحاقة أنه الظاهر ، وأنه رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما ، لأن التهويل بعد القيام أنسب ، وأدخل في-{[71886]} الحكمة وأغرب .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما قال سبحانه

{ فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه }[ عبس : 33 - 34 ] الآيات إلى آخر السورة ، كان مظنة لاستفهام السائل عن الوقوع ومتى يكون ؟ فقال{[71887]} تعالى :

{ إذا الشمس كورت }[ التكوير : 1 ] ووقوع تكوير الشمس وانكدار النجوم وتسيير الجبال وتعطيل العشار كل ذلك متقدم على فرار المرء من أخيه وأمه وأبيه - إلى ما ذكر إلى آخر السورة لاتصال ما ذكر في مطلع سورة التكوير بقيام الساعة ، فيصح أن يكون أمارة للأول وعلماً عليه -{[71888]} انتهى .


[71880]:زيد من ظ و م.
[71881]:من ظ و م، وفي الأصل: عسره-كذا.
[71882]:زيد من ظ و م.
[71883]:من م، وفي الأصل و ظ: علمت.
[71884]:من م، وفي الأصل و ظ: فلكل.
[71885]:زيد من ظ و م.
[71886]:زيد من ظ و م.
[71887]:من م، وفي الأصل و ظ: قال.
[71888]:زيد من ظ و م.