السادسة : قوله تعالى : { ويمنعون الماعون } فيه اثنا عشر قولا : الأول : أنه زكاة أموالهم . كذا روى الضحاك عن ابن عباس . وروى عن علي رضي الله عنه مثل ذلك ، وقاله مالك . والمراد به المنافق يمنعها . وقد روى أبو بكر{[16477]} بن عبد العزيز عن مالك قال : بلغني أن قوله الله تعالى : { فويل للمصلين . الذين هم على صلاتهم ساهون . الذين هم يراؤون . ويمنعون الماعون } قال : إن المنافق إذا صلى صلى رياءً ، وإن فاتته لم يندم عليها ، { ويمنعون الماعون } الزكاة التي فرض الله عليهم . قال زيد بن أسلم : لو خفيت لهم الصلاة كما خفيت لهم الزكاة ما صلوا . القول الثاني : أن " الماعون " المال ، بلسان قريش ، قاله ابن شهاب وسعيد بن المسيب . وقول ثالث : أنه اسم جامع لمنافع البيت كالفأس والقدر والنار وما أشبه ذلك ، قاله ابن مسعود ، وروي عن ابن عباس أيضا . قال الأعشى :
بأجود منه بمَاعُونِه *** إذا ما سماؤهم لم تَغِمِ
الرابع : ذكر الزجاج وأبو عبيد والمبرد أن الماعون في الجاهلية كل ما فيه منفعة ، حتى الفأس والقدر والدلو والقداحة ، وكل ما فيه منفعة من قليل وكثير ، وأنشدوا بيت الأعشى . قالوا : والماعون في الإسلام : الطاعة والزكاة ، وأنشدوا قول الراعي :
أخليفةَ الرحمن إنا معشر *** حنفاء نسجدُ بكرة وأصيلا
عَرَبٌ نرى لله من أموالنا *** حقَّ الزكاة منزَّلاً تنزيلا
قومٌ على الإسلام لما يمنعوا *** مَاعُونَهُمْ ويضيعوا التَّهْلِيلاَ{[16478]}
يعني الزكاة . الخامس : أنه العارية ، وروي عن ابن عباس أيضا . السادس : أنه المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم ، قاله محمد بن كعب والكلبي . السابع : أنه الماء والكلأ . الثامن : الماء وحده . قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول : الماعون : الماء ، وأنشدني فيه :
الصبير : السحاب . التاسع : أنه منع الحق ، قاله عبد الله بن عمر . العاشر : أنه المستغل من منافع الأموال ، مأخوذ من المعن وهو القليل ، حكاه الطبري عن ابن عباس{[16479]} . قال قطرب : أصل الماعون من القلة . والمعن : الشيء القليل ، تقول العرب : ماله سعنة{[16480]} ولا معنة ، أي شيء قليل . فسمى الله تعالى الزكاة والصدقة ونحوهما من المعروف ماعونا ؛ لأنه قليل من كثير . ومن الناس من قال : الماعون : أصله معونة ، والألف عوض من الهاء ؛ حكاه الجوهري . ابن العربي : الماعون : مفعول{[16481]} من أعان يعين ، والعون : هو الإمداد بالقوة والآلات والأسباب الميسرة للأمر . الحادي عشر : أنه الطاعة والانقياد . حكى الأخفش عن أعرابي فصيح : لو قد نزلنا لصنعت بناقتك صنيعا تعطيك الماعون ، أي تنقاد لك وتعطيك . قال الراجز :
متى تصادفْهُن{[16482]} في البرينِ *** يخضعن أو يعطين بالماعون{[16483]}
وقيل : هو ما لا يحل منعه ، كالماء والملح والنار ؛ لأن عائشة رضوان الله عليها قالت : قلت يا رسول الله ، ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال : ( الماء والنار والملح ) قلت : يا رسول الله هذا الماء ، فما بال النار والملح ؟ فقال : " يا عائشة من أعطى نارا فكأنما تصدق بجميع ما طبخ بتلك النار ، ومن أعطى ملحا فكأنما تصدق بجميع ما طيب به ذلك الملح ، ومن سقى شربة من الماء حيث يوجد الماء ، فكأنما أعتق ستين نسمة . ومن سقى شربة من الماء حيث لا يوجد ، فكأنما أحيا نفسا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " . ذكره الثعلبي في تفسيره ، وخرجه ابن ماجه في سننه . وفي إسناده لين ، وهو القول الثاني عشر . الماوردي : ويحتمل أنه المعونة بما خف فعله ، وقد ثقله الله . والله أعلم . وقيل لعكرمة مولى ابن عباس : من منع شيئا من المتاع كان له الويل ؟ فقال : لا ، ولكن من جمع ثلاثهن فله الويل ، يعني : ترك الصلاة ، والرياء ، والبخل بالماعون .
قلت : كونها في المنافقين أشبه ، وبهم أخلق ؛ لأنهم جمعوا الأوصاف الثلاثة : ترك الصلاة ، والرياء ، والبخل بالمال ، قال الله تعالى : { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا }{[16484]} [ النساء : 142 ] ، وقال : { ولا ينفقون إلا وهم كارهون }{[16485]} . [ التوبة : 54 ] . وهذه أحوالهم ، ويبعد أن توجد من مسلم محقق ، وإن وجد بعضها فيلحقه جزء من التوبيخ ، وذلك في منع الماعون إذا تعين ، كالصلاة إذا تركها . والله أعلم . إنما يكون منعا قبيحا في المروءة في غير حال الضرورة . والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.