الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالَ إِنَّمَآ أَشۡكُواْ بَثِّي وَحُزۡنِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (86)

قوله تعالى : " قال إنما أشكو بثي " حقيقة البث في اللغة ما يرد على الإنسان من الأشياء المهلكة التي لا يتهيأ له أن يخفيها ، وهو من بثثته أي فرقته ، فسميت المصيبة بثا مجازا ، قال ذو الرمة :

وقفت على ربع لِمَيَّةَ ناقتي*** فما زلت أبكي عنده وأخاطبه

وأسقيه{[9247]} حتى كاد مما أبُثُّه*** تكلمنِي أحجارُه وملاعبُه

وقال ابن عباس : " بثي " همي . الحسن : حاجتي . وقيل : أشد الحزن ، وحقيقة ما ذكرناه . " وحزني إلى الله " معطوف عليه ، أعاده بغير لفظه . " وأعلم من الله ما لا تعلمون " أي أعلم أن رؤيا يوسف صادقة ، وأني سأسجد له . قاله ابن عباس . إني أعلم من إحسان الله تعالى إلى ما يوجب حسن ظني به . وقيل : قال يعقوب لملك الموت هل قبضت روح يوسف ؟ قال : لا ، فأكد هذا رجاءه . وقال السدي : أعلم أن يوسف حي ، وذلك أنه لما أخبر ولده بسيرة الملك وعدله خلفه وقوله أحست نفس يعقوب أنه ولده فطمع ، وقال : لعله يوسف . وقال : لا يكون في الأرض صديق إلا نبئ . وقيل : أعلم من إجابة دعاء المضطرين ما لا تعلمون{[9248]} .


[9247]:أسقيه أدعو له بالسقيا.
[9248]:من و و ي.