الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَقُل رَّبِّ أَنزِلۡنِي مُنزَلٗا مُّبَارَكٗا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡمُنزِلِينَ} (29)

قوله تعالى : " وقل رب أنزلني منزلا مباركا " قراءة العامة " منزلا " بضم الميم وفتح الزاي ، على المصدر الذي هو الإنزال ، أي انزلني إنزالا مباركا . وقرأ زر بن حبيش وأبو بكر عن عاصم والمفضل " منزلا " بفتح الميم وكسر الزاي على الموضع ، أي أنزلني موضعا مباركا . الجوهري : المنزل ( بفتح الميم والزاي ) النزول وهو الحلول ، تقول : نزلت نزولا ومنزلا . وقال :

أأن ذكّرتك الدارُ مَنزَلَها جُمْلُ *** بكيتَ فدمعُ العينِ مُنحَدَرٌ سَجْلُ

نصب " المنزل " لأنه مصدر{[11655]} . وأنزل غيره واستنزله بمعنى . ونزله تنزيلا ، والتنزيل أيضا الترتيب . قال ابن عباس ومجاهد : هذا حين خرج من السفينة ، مثل قوله تعالى : " اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك " {[11656]} [ هود : 48 ] . وقيل : حين دخلها ، فعلى هذا يكون قول " مباركا " يعني بالسلامة والنجاة .

قلت : وبالجملة فالآية تعليم من الله عز وجل لعباده إذا ركبوا وإذا نزلوا أن يقولوا هذا ، بل وإذا دخلوا بيوتهم وسلموا قالوا . وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان إذا دخل المسجد قال : اللهم أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين .


[11655]:يلاحظ أن "منزلها" بالنصب مفعول ثان لذكرتك. و "جمل" فاعل بالمصدر، وهو المنزل.
[11656]:راجع ج 9 ص 48.