الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{إِذِ ٱلۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ وَٱلسَّلَٰسِلُ يُسۡحَبُونَ} (71)

قوله تعالى : " إذ الأغلال في أعناقهم " أي عن قريب يعلمون بطلان ما هم فيه إذا دخلوا النار وغلت أيديهم إلى أعناقهم . قال التيمي : لو أن غلا من أغلال جهنم وضع على جبل لوهصه حتى يبلغ الماء الأسود . " والسلاسل يسحبون " بالرفع قراءة العامة عطفا على الأغلال . قال أبو حاتم : " يسحبون " مستأنف على هذه القراءة . وقال غيره : هو في موضع نصب على الحال ، والتقدير : " إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل " مسحوبين . وقرأ ابن عباس وأبو الجوزاء وعكرمة وابن مسعود " والسلاسل " بالنصب " يسحبون " بفتح الياء والتقدير في هذه القراءة ويسحبون السلاسل . قال ابن عباس : إذا كانوا يجرونها فهو أشد عليهم وحكي عن بعضهم " والسلاسل " بالجر ووجهه أنه محمول على المعنى ، لأن المعنى أعناقهم في الأغلال والسلاسل . قاله الفراء . وقال الزجاج : ومن قرأ " والسلاسل يسحبون " بالخفض فالمعنى عنده وفي " السلاسل يسحبون " . قال ابن الأنباري : والخفض على هذا المعنى غير جائز ؛ لأنك إذا قلت زيد في الدار لم يحسن أن تضمر " في " فتقول زيد الدار ، ولكن الخفض جائز . على معنى إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل ، فتخفض السلاسل على النسق على تأويل الأغلال ؛ لأن الأغلال في تأويل الخفض ، كما تقول : خاصم عبد الله زيدا العاقلين فتنصب العاقلين . ويجوز رفعهما ؛ لأن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد خاصمه صاحبه ، أنشد الفراء :

قد سالَمَ الحَيَّاتِ منهُ القَدَمَا *** الأفْعُوَانَ والشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا{[13400]}

فنصب الأفعوان على الإتباع للحيات إذا سالمت القدم فقد سالمتها القدم . فمن نصب السلاسل أو خفضها لم يقف عليها .


[13400]:الشجعم: الضخم من الحيات.