لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ كِتَٰبٗا} (29)

أي : كتبناه كتاباً ، وعلمناه عِلْماً .

والمسبِّحُ الزاهدُ يحصي تسبيحَه ، والمهجورُ البائسُ يحصي أيامَ هجرانه ، والذي هو صاحب وصالٍ لا يتفرَّغ من وَصْلِه إلى تذكُّرِ أيامه في العدد ، أو الطول والقصر .

والملائكة يُحصون زلاَّت العاصين ، ويكتبونها في صحائفهم . والحق سبحانه يقول :

{ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } فكما أحصى زَلاَّتٍ العاصين وطاعات المطيعين فكذلك أحْصَى أيامَ هجرانِ المهجورين وَأيَامَ مِحَنِ الممتحَنين ، وإِنَّ لهم في ذلك لَسَلْوَةً وَنَفَساً :

ثمانٍ قد مضيْنَ بلا تلاقٍ *** وما في الصبر فَضْلٌ عن ثمانٍ

وكم من أقوامٍ جاوزت أيامُ فترتهم الحدَّ ! وأَرْبَتْ أوقاتُ هجرانهم على الحَصْر ! قوله جلّ ذكره : { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِِلاَّ عَذَاباً } .