قوله تعالى : { وَكُلَّ شَيْءٍ } العامة على النصب على الاشتغال ، وهو الراجح ، لتقدم جملة فعلية .
وقرأ أبو السمال{[59156]} : برفع «كُل » على الابتداء ، وما بعده الخبر وهذه الجملة معترض بها بين السبب والمسبب ، لأنَّ الأصل : «وكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابَا » ف «ذوقوا » مُسَبَّبٌ عن تَكْذيبهم .
قوله : «أحْصَيْنَاهُ » . فيه أوجه :
أحدها : أنه مصدر من معنى أحصينا ، أي : إحصاءً ، فالتجوُّز في نفس المصدر .
الثاني : أنه مصدر ل «أحْصَيْنَا » لأنَّه في معنى : «كَتَبْنَا » فالتجوُّز في نفس الفعل .
قال الزمخشري : «لانتفاءِ الإحْصاءِ » ، والكتبة في معنى الضبط ، والتحصيل .
قال ابن الخطيب{[59157]} : وإنَّما عدل عن تلك اللفظة إلى هذه اللفظة ؛ لأن الكتابة هي النهاية في قوة العلم ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : «قَيِّدُوا العِلْمَ بالكِتَابَةِ » فكأنَّهُ تعالى قال : { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } إحصاءً في القوة والثبات والتأكُّد ، كالمكتوب ، والمراد من قوله : «كِتَاباً » تأكيد ذلك الإحصاء والعلم ، وهذا التأكيد إنَّما ورد على حسب ما يليق بأفهام أهل الظاهر ، فإن المكتوب يقبل الزوال ، وعلمُ الله - تعالى - بالأشياءِ لا يقبل الزوال ؛ لأنَّه واجبٌ لذاته .
الثالث : أن يكُون منصوباً على الحال ، بمعنى مكتوباً في اللوح المحفوظ ، لقوله تعالى : { وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ مُّبِينٍ } [ يس : 12 ] .
وقيل : أراد ما كتبته الملائكة الموكلون بالعباد ، بأمر الله - تعالى - إياهم بالكتابة ، لقوله تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ } [ الانفطار : 10 ، 11 ] .
معنى { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ } أي : علمنا كُلَّ شيء علماً كما هو لا يزول ، ولا يتبدل ونظيره قوله تعالى : { أَحْصَاهُ الله وَنَسُوهُ } [ المجادلة : 6 ] .
قال ابن الخطيب{[59158]} : وهذه الآية لا تقبل التأويل ، لأن الله - تبارك وتعالى - ذكر هذا تقديراً لما ادعاه من قوله تعالى : «جَزَاءً وفاقاً » ، كأنه تعالى قال : أنا عالم بجميع ما فعلوه ، وعالم بجهات تلك الأفعال ، وأحوالها ؛ واعتباراتها التي لأجلها يحصل استحقاق الثواب والعقاب ، فلا جرم لا أوصل إليهم من العذاب إلاَّ قدر ما يكون وفاقاً لأعمالهم ، وهذا القدر إنما يتمُّ بثبوت كونه عالماً بالجُزئيَّاتِ ، وإذا ثبت هذا ظهر أن كل من أنكره كافر قطعاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.