ثم إذا كان يوم القيامة وحشر الناس إلى ربهم ، تبرأ هؤلاء وهؤلاء من عبادهم الضالين . حتى الشيطان كما جاء في سورة أخرى : ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ، ووعدتكم فأخلفتكم ، وما كان لي عليكم من سلطان ، إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي . فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ، ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي . إني كفرت بما أشركتمون من قبل . إن الظالمين لهم عذاب أليم ) . .
وهكذا يقفهم القرآن وجها لوجه أمام حقيقة دعواهم ومآلها في الدنيا والآخرة . بعدما وقفهم أمام الحقيقة الكونية التي تنكر هذه الدعوى وترفضها . وفي كلتا الحالتين تبرز الحقيقة الثابتة . حقيقة الوحدانية التي ينطق بها كتاب الوجود ، وتوجبها مصلحة المشركين أنفسهم ، ويلزمهم بها النظر إلى مآلهم في الدنيا والآخرة .
وإذا كان القرآن يندد بضلال من يدعون من دون الله آلهة لا يستجيبون لهم إلى يوم القيامة ؛ وكان هذا يعني المعبودات التاريخية التي عرفتها الجماعات البشرية عند نزول هذا القرآن ، فإن النص أوسع مدلولا وأطول أمدا من ذلك الواقع التاريخي . فمن أضل ممن يدعو من دون الله أحدا في أي زمان وفي أي مكان ? وكل أحد - كائنا من كان - لا يستجيب بشيء لمن يدعوه ، ولا يملك أن يستجيب . وليس هناك إلا الله فعال لما يريد . . إن الشرك ليس مقصورا على صوره الساذجة التي عرفها المشركون القدامى . فكم من مشركين يشركون مع الله ذوي سلطان ، أو ذوي جاه ، أو ذوي مال ؛ ويرجون فيهم ، ويتوجهون إليهم بالدعاء . وكلهم أعجز من أن بستجيبوا لدعاتهم استجابة حقيقية . وكلهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا . ودعاؤهم شرك . والرجاء فيهم شرك . . والخوف منهم شرك . ولكنه شرك خفي يزاوله الكثيرون ، وهم لا يشعرون .
{ وَإِذَا حُشِرَ الناس } عند قيام القيامة { كَانُواْ } أي المعبودون { لَهُمْ } أي العابدين { أَعْدَاء } شديدي العداوة { وَكَانُواْ } أي المعبودون أيضاً { بِعِبَادَتِهِمْ } أي بعبادة الكفرة إياهم { كافرين } مكذبين ، والأمر ظاهر في ذوي العقول . وأما في الأصنام فقد روي أن الله تعالى يخلق لها إدراكاً وينطقها فتتبرأ عن عبادتهم وكذا تكون أعداء لهم ، وجوز كون تكذيب الأصنام بلسان الحال لظهور أنهم لا يصلحون للعبادة وأنهم لا نفع لهم كما توهموه أولاً حيث قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله } [ الزمر : 3 ] ورجوا الشفاعة منهم . وفسرت العداوة بالضر على أنها مجاز مرسل عنه فمعنى { كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاء } كانوا لهم ضارين ، وما ذكرناه في بيان الضمائر هو الظاهر ، وقيل : ضمير { هُمْ } المرفوع البارز والمستتر في قوله تعالى : { وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غافلون } [ الأحقاف : 5 ] للكفرة الداعين وضمير { دُعَائِهِمْ } لهم أو للمعبودين ، والمعنى أن الكفار عن ضلالهم بأنهم يدعون من لا يستجيب لهم غافلون لا يتأملون ما عليهم في ذلك ، وفيه من ارتكاب خلاف الظاهر ما فيه ، وفي الضمائر بعد نحو ذلك ، والمعنى إذا حشر الناس كان الكفار أعداء لآلهتهم الباطلة لما يرون من ترتب العذاب على عبادتهم إياها وكانوا لذلك منكرين أنهم عبدوا غير الله تعالى كما حكى الله تعالى عنهم أنهم يقولون : { والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] وتعقب بأن السياق لبيان حال الآلهة معهم لا عكسه ، ولأن كفرهم حينئذٍ إنكار لعبادتهم وتسميته كفراً خلاف الظاهر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.