محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمۡ أَعۡدَآءٗ وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمۡ كَٰفِرِينَ} (6)

[ 6 ] { وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين6 } .

{ وإذا حشر الناس } أي : جمعوا يوم القيامة لموقف الحساب { كانوا } أي : آلهتهم { لهم أعداء } أي : لتبرئتهم منهم . قال الشهاب : أعداء استعارة ، أو مجاز مرسل للضارّ . { وكانوا بعبادتهم كافرين } قال ابن جرير :{[6545]} أي وكانت آلهتهم التي يعبدونها في الدنيا ، بعبادتهم جاحدين ، لأنهم يقولون يوم القيامة : ما أمرناهم بعبادتنا ، ولا شعرنا بعبادتهم إيانا ، تبرّأنا إليك منهم ، يا ربنا ! أي : فالتكذيب بلسان المقال ، قصدا إلى بيان أن معبودهم في الحقيقة الشياطين وأهواؤهم .

وقال القاشانيّ : كانوا أعداء ، لأن عبادة أهل الدنيا لسادتهم وخدمتهم إياهم ، لا تكون إلا لغرض نفساني . وكذا استعباد الموالي لخدمهم . فإذا ارتفعت الأغراض ، وزالت العلل والأسباب ، كانوا لهم أعداء ، وأنكروا عبادتهم . يقولون : ما خدمتمونا ، ولكن خدمتم أنفسكم . كما قيل في تفسير قوله :{[6546]} { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو } . انتهى .

وقيل : الضمير في { كانوا } في الموضعين ، للعابدين ، لئلا يلزم التفكيك . وفيه نظر : لأنه خلاف المتبادر من السياق ، إذ هو لبيان حال الآلهة معهم ، لا عكسه ، ولأن كفرهم / حينئذ إنكار لعبادتهم . وتسميته كفرا ، خلاف الظاهر أيضا . وقد أوضح ذلك آية{[6547]} { واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا } . والقرآن يفسر بعضه بعضا .


[6545]:انظر الصفحة رقم 4 من الجزء السادس والعشرين(طبعة الحلبي الثانية(.
[6546]:[43/ الزخرف/ 67].
[6547]:[19/ مريم/ 81و 82].