في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ} (22)

وأخيرا تجيء تلك التسبيحة المديدة بأسماء الله الحسنى ؛ وكأنما هي أثر من آثار القرآن في كيان الوجود كله ، ينطلق بها لسانه وتتجاوب بها أرجاؤه ؛ وهذه الأسماء واضحة الآثار في صميم هذا الوجود وفي حركته وظواهره ، فهو إذ يسبح بها يشهد كذلك بآثارها :

( هو الله الذي لا إله إلا هو ، عالم الغيب والشهادة ، هو الرحمن الرحيم ) .

( هو الله الذي لا إله إلا هو ، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر . سبحان الله عما يشركون ) .

( هو الله الخالق البارئ المصور ، له الأسماء الحسنى ، يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) .

إنها تسبيحة مديدة بهذه الصفات المجيدة . ذات ثلاثة مقاطع . يبدأ كل مقطع منها بصفة التوحيد : ( هو الله الذي لا إله إلا هو ) . . أو ( هو الله ) . .

ولكل اسم من هذه الأسماء الحسنى أثر في هذا الكون ملحوظ ، وأثر في حياة البشر ملموس . فهي توحي إلى القلب بفاعلية هذه الأسماء والصفات . فاعلية ذات أثر وعلاقة بالناس والأحياء . وليست هي صفات سلبية أو منعزلة عن كيان هذا الوجود ، وأحواله وظواهره المصاحبة لوجوده .

( هو الله الذي لا إله إلا هو ) . . فتتقرر في الضمير وحدانية الاعتقاد ، ووحدانية العبادة ، ووحدانية الاتجاه ، ووحدانية الفاعلية من مبدأ الخلق إلى منتهاه . ويقوم على هذه الوحدانية منهج كامل في التفكير والشعور والسلوك ، وارتباطات الناس بالكون وبسائر الأحياء . وارتباطات الناس بعضهم ببعض على أساس وحدانية الإله .

( عالم الغيب والشهادة ) . . فيستقر في الضمير الشعور بعلم الله للظاهر والمستور . ومن ثم تستيقظ مراقبة هذا الضمير لله في السر والعلانية ؛ ويعمل الإنسان كل ما يعمل بشعور المراقب من الله المراقب لله ، الذي لا يعيش وحده ، ولو كان في خلوة أو مناجاة ! ويتكيف سلوكه بهذا الشعور الذي لا يغفل بعده قلب ولا ينام !

( هو الرحمن الرحيم )فيستقر في الضمير شعور الطمأنينة لرحمة الله والاسترواح . ويتعادل الخوف والرجاء ، والفزع والطمأنينة . فالله في تصور المؤمن لا يطارد عباده ولكن يراقبهم . ولا يريد الشر بهم بل يحب الهدى ، ولا يتركهم بلا عون وهم يصارعون الشرور والأهواء .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ} (22)

{ هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ } وحده سبحانه { عالم الغيب } وهو ما لم يتعلق به علم مخلوق وإحساسه أصلاً وهو الغيب المطلق { والشهادة } وهو ما يشاهده مخلوق .

قال الراغب : الشهود والشهادة الحضور مع المشاهدة إما بالبصر أو بالبصيرة ، وقد يعتبر الحضور مفرداً لكن الشهود بالحضور المجرد أولى والشهادة مع المشاهدة أولى ، وحمل الغيب على المطلق هو المتبادر ، وأل فيه للاستغراق إذ لا قرينة للعهد ، ومقام المدح يقتضيه مع قوله تعالى : { علام الغيوب } [ المائدة : 109 ] فيشمل كل غيب واجباً كان أو ممكناً موجوداً أو معدوماً أو ممتنعاً لم يتعلق به علم مخلوق ، ويطلق الغيب على ما لم يتعلق به علم مخلوق معين وهو الغيب المضاف أي الغيب بالنسبة إلى ذلك المخلوق وهو على ما قيل : مراد الفقهاء في قولهم : مدعي علم الغيب كافر ، وهذا قد يكون من عالم الشهادة كما لا يخفى ، وذكر الشهادة مع أنه إذا كان كل غيب معلوماً له تعالى كان كل شهادة معلوماً له سبحانه بالطريق الأولى من باب قوله عز وجل : { لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [ الكهف : 49 ] ، وقيل : الغيب ما لا يقع عليه الحس من المعدوم أو الموجود الذي لا يدرك ، والشهادة ما يقع عليه الإدراك بالحس .

وقال الإمام أبو جعفر رضي الله تعالى عنه : الغيب ما لم يكن والشهادة ما كان ، وقال الحسن : الغيب السر . والشهادة العلانية ، وقيل : الأول : الدنيا بما فيها . والثاني : الآخرة بما فيها ، وقيل : الأول : الجواهر المجردة وأحوالها . والثاني : الأجرام والأجسام وأعراضها ، وفيه أن في ثبوت المجردات خلافاً قوياً ، وأكثر السلف على نفيها ، وتقديم الغيب لأن العلم به كالدليل على العلم بالشهادة ، وقيل : لتقدمه على الشهادة فإن كل شهادة كان غيباً وما برز ما برز إلا من خزائن الغيب ، وصاحب القيل الأخير يقول : إن تقديم الغيب لتقدمه في الوجود وتعلق العلم القديم به ، واستدل بالآية على أنه تعالى عالم بجميع المعلومات ، ووجهه ما أشرنا إليه ، وتتضمن على ما قيل : دليلاً آخر عليه لأنها تدل على أنه لا معبود إلا هو ويلزمه أن يكون سبحانه خالقاً لكل شيء بالاختيار كما هو الواقع في نفس الأمر ، والخلق بالاختيار يستحيل بدون العلم ، ومن هنا قيل : الاستدلال بها على هذا المطلب أولى من الاستدلال بقوله تعالى : { والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } [ البقرة : 282 ] { هُوَ الرحمن الرحيم } برحمة تليق بذاته سبحانه ، والتأويل وإن ذكره علماء أجلاء من الماتريدية . والأشاعرة لا يحتاج إليه سلفي كما حقق في التمييز وغيره .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ} (22)

{ 22-24 } { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .

هذه الآيات الكريمات قد اشتملت على كثير من أسماء الله الحسنى وأوصافه العلى ، عظيمة الشأن ، وبديعة البرهان ، فأخبر أنه الله المألوه المعبود ، الذي لا إله إلا هو ، وذلك لكماله العظيم ، وإحسانه الشامل ، وتدبيره العام ، وكل إله سواه{[1048]}  فإنه باطل لا يستحق من العبادة مثقال ذرة ، لأنه فقير عاجز ناقص ، لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا ، ثم وصف نفسه بعموم العلم الشامل ، لما غاب عن الخلق وما يشاهدونه ، وبعموم رحمته التي وسعت كل شيء ووصلت إلى كل حي .


[1048]:- في ب: غيره.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ} (22)

قوله : { هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة } الذي يخشع ويتصدع من خشيته الجبل هو الله المعبود الذي ليس من إله معبود سواه . وهو سبحانه الذي يعلم السر والعلن ، ويعلم المستور والمشهود ، { هو الرحمان الرحيم } الله رحيم بالخلق ، عظيم الرحمة بعباده المؤمنين وهو سبحانه رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما .