السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ} (22)

ولما وصف تعالى القرآن بالعظم ، ومعلوم أن عظم الصفة تابع لعظم الموصوف أتبع ذلك بوصف عظمته تعالى ، فقال عز من قائل : { هو } أي : الذي وجوده من ذاته فلا عدم له بوجه من الوجوه ، فلا شيء يستحق الوصف بهو غيره لأنه الموجود دائماً أزلاً وأبداً فهو حاضر في كل ضمير غائب بعظمته عن كل حس ، فلذلك تصدّع الجبل من خشيته ولما عبر عنه بأخص أسمائه أخبر عنه لطفاً بنا وتنزلاً لنا بأشهرها الذي هو مسمى الأسماء كلها بقوله تعالى : { الله } أي : المعبود الذي لا ينبغي العبادة والألوهية الإله { الذي لا إله إلا هو } فإنه لا مجالس له ، ولا يليق ولا يصح ولا يتصوّر أن يكافئه ، أو يدانيه شيء والإله أول اسم لله تعالى فلذلك لا يكون أحد مسلماً إلا بتوحيده ، فتوحيده فرض وهو أساس كل فريضة { عالم الغيب } أي : الذي غاب عن جميع خلقه { والشهادة } أي : الذي وجد فكان يحسه ويطلع عليه بعض خلقه . وقال ابن عباس : معناه عالم السرّ والعلانية ، وقيل : ما كان وما يكون . وقال سهل : عالم بالآخرة والدنيا ، وقيل : استوى في علمه السرّ والعلانية والموجود والمعدوم . وقوله تعالى : { هو الرحمن الرحيم } معناه ذو الرحمة ، ورحمة الله تعالى إرادته الخير والنعمة والإحسان إلى خلقه . وقيل : إنّ رحمن أشدّ مبالغة من رحيم ، ولهذا قيل : هو رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لأنه تعالى بإحسانه في الدنيا يعم المؤمن والكافر ، وفي الآخرة يختص إنعامه وإحسانه بالمؤمنين .