في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ} (9)

والجواب في ذلة وانكسار واعتراف بالحمق والغفلة ، بعد التبجح والإنكار واتهام الرسل بالضلال :

( قالوا : بلى ! قد جاءنا نذير فكذبنا ، وقلنا : ما نزل الله من شيء . إن أنتم إلا في ضلال كبير . وقالوا : لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ! ) . .

فالذي يسمع أو يعقل ، لا يورد نفسه هذا المورد الوبيء . ولا يجحد بمثل ما جحد به أولئك المناكيد . ولا يسارع باتهام الرسل بالضلال على هذا النحو المتبجح الوقح ، الذي لا يستند في الإنكار إلى دليل . ثم ينكر ويدعي ذلك الادعاء العريض على رسل الله الصادقين يقول : ( ما نزل الله من شيء : إن أنتم إلا في ضلال كبير ) !

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ} (9)

{ قَالُواْ } اعترافاً بأنه عز وجل قد أزاح عللهم بالكلية { بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ } وجمعوا بين حرف الجواب ونفس الجملة المجاب بها مبالغة في الاعتراف بمجيء النذير وتحسراً على ما فاتهم من السعادة في تصديقهم وتمهيداً لما وقع منهم من التفريط تندماً واغتماماً على ذلك أي قال كل فوج من تلك الأفواج قد جاءنا نذير أي واحد حقيقة أو حكماً كنذر بني إسرائيل فإنهم في حكم نذير واحد فانذرنا وتلا علينا ما أنزل الله تعالى من آياته { فَكَذَّبْنَا } ذلك النذير في كونه نذيراً من جهته تعالى { وَقُلْنَا } في حق ما تلاه من الآيات إفراطاً في التكذيب وتمادياً في النكير { مَّا نَزَّلَ الله } على أحد { مِن شَىْء } من الأشياء فضلاً عن تنزيل الآيات على بشر مثلكم { إِنْ أَنتُمْ } أي ما أنتم في ادعاء ما تدعونه { إِلاَّ في ضلال كَبِيرٍ } بعيد عن الحق والصواب وجمع ضمير الخطاب مع أن مخاطب كل فوج نذيره لتغليبه على أمثاله ولو فرضاً ليشمل أول فوج أنذرهم نذير والأصل أنت وأمثالك ممن ادعى أو يدعي دعواك مبالغة في التكذيب وتمادياً في التضليل كما ينبئ عنه تعميم المنزل مع ترك ذكر المنزل عليه فإنه ملوح بعمومه حتماً وأما إقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل فقيل أمر تحقيقي يصار إليه لتهويل ما ارتكبوه من الجناية لكن لا مساغ لاعتباره من جهتهم ولا لإدراجه تحت عبارتهم كيف لا وهو منوط بملاحظة اجتماع النذر على ما لا يختلف من الشرائع والأحكام باختلاف العصور والأعوام وأين هم من ذلك وقد حال الجريض دون القريض هذا إذا جعل ما ذكر حكاية عن كل واحد من الأفواج كما هو الظاهر وأما إذا جعل حكاية عن الكل فالنذير إما بمعنى الجمع لأنه فعيل وهو يستوي فيه الواحد وغيره أو مصدر مقدر بمضاف عام أي أهل نذير أو منعوت به للمبالغة فيتفق كلا طرفي الخطاب في الجمعية ويستشعر من بعض العبارات جواز اعتبار الجمعية بأحد الأوجه المذكورة على الوجه الأول أيضاً وفيه بحث وجوز أن يكون الخطاب من كلام الخزنة للكفار على إرادة القول على أن مرادهم بالضلال ما كانوا عليه في الدنيا أو هلاكهم أو عقاب ضلالهم تسمية له باسم سببه وهو خلاف الظاهر كما لا يخفي وكذا ما قيل من جواز كونه من كلام النذير للكفرة حكوه للخزنة وفي «الكشف » هذا الوجه فيه تكلف بين فأما أن يكون مقول قول محذوف يستدعيه قد جاءنا نذير كأنه قيل بلى قد جاءنا نذير قال إن أنتم إلا في ضلال كبير فكذبنا وقلنا وقدم فكذبنا وقلنا تنبيهاً على أن التكذيب لم يكن مقصوراً على قولهم هذا وأما أن يكون التكذيب واقعاً على الجملة أعني إن أنتم وقوله سبحانه وقلنا ما نزل الله من شيء عطف على كذبنا قدم على صلته ليجري مجرى الاعتراض مؤكداً لحكم التكذيب ودالاً على عدم القصر أيضاً والأول أولى انتهى واستدل بالآية على أنه لا تكليف قبل البعثة وحمل النذير على ما في العقول من الأدلة مما لا يقبله منصف ذوي العقول .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ} (9)

{ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ } فجمعوا بين تكذيبهم الخاص ، والتكذيب العام بكل ما أنزل الله ، ولم يكفهم ذلك ، حتى أعلنوا بضلال الرسل المنذرين ، وهم الهداة المهتدون ، ولم يكتفوا بمجرد الضلال ، بل جعلوا ضلالهم ، ضلالًا كبيرًا ، فأي عناد وتكبر وظلم ، يشبه هذا ؟

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ} (9)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{قالوا} للخزنة: {بلى قد جاءنا نذير فكذبنا} بالنذير يعني النبي صلى الله عليه وسلم.

{وقلنا} للنبي صلى الله عليه وسلم.

{ما نزل الله من شيء} يعني ما أرسل الله من أحد، يعني من نبي...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"تَكادُ جهنم تَمَيّزُ "يقول: تتفرّق وتتقطع "مِنَ الغَيْظِ" على أهلها... قال ابن زيد، في قوله: "تَكادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ"، قال: التميز: التفرّق من الغيظ على أهل معاصي الله، غضبا لله، وانتقاما له.

وقوله: "كُلّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سألَهُمْ"، يقول جلّ ثناؤه: كلما ألقي في جهنم جماعة "سألهم خَزَنَتُها، ألَمْ يأْتِكُمْ نَذِيرٌ"، يقول: سأل الفوجَ خزنةُ جهنم، فقالوا لهم: ألم يأتكم في الدنيا نذيرٌ ينذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه؟ فأجابهم المساكين فقالُوا: "بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ" ينذرنا هذا، فَكَذّبْناهُ وَقُلْنَا له: "ما نَزّلَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ إن أنْتُمْ إلاّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ". يقول: في ذهاب عن الحقّ بعيد.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{قالوا بلى قد جاءنا نذير} وهذا هو إخبار عن نهاية أمرهم وآخر شأنهم؛ وذلك أنهم فزعوا في الآخرة إلى اليمين بالكذب، فقالوا: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23] رجاء أن ينفعهم ذلك في الآخرة، كما كانت تنفعهم في الدنيا، فلما ألقوا فيها أيقنوا أن أيمانهم لا تدفع عنهم العذاب، وفزعوا إلى الاعتراف والصدق رجاء أن يتخلصوا من العذاب، فقالوا: {بلى قد جاءنا نذير} ينذرنا بلقاء هذا اليوم {فكذبنا} بالذي كان ينذرنا النذر {وقلنا ما نزل الله من شيء} مما ينذروننا به...

{إن أنتم إلا في ضلال كبير} فجائز أن يكون القائل لهم بهذا هم الخزنة، وهذا خطاب في الدنيا {إن أنتم إلا في ضلال كبير}...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ في ضلال كَبِيرٍ} من المخاطبون به؟ قلت: هو من جملة قول الكفار وخطابهم للمنذرين. ويجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار. أو من كلام الرسل لهم حكوه الخزنة، أي قالوا لنا هذا فلم نقبله...

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

أي فكذبنا الرسل وأفرطنا في التكذيب حتى نفينا الإنزال والإرسال رأسا، وبلغنا في نسبتهم إلى الضلال.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} فجمعوا بين تكذيبهم الخاص، والتكذيب العام بكل ما أنزل الله، ولم يكفهم ذلك، حتى أعلنوا بضلال الرسل المنذرين، وهم الهداة المهتدون، ولم يكتفوا بمجرد الضلال، بل جعلوا ضلالهم، ضلالًا كبيرًا، فأي عناد وتكبر وظلم، يشبه هذا؟...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وجملة: {قالوا بلى قد جاءنا نذير} معترضة بين كلام خزنة جهنم اعتراضاً يشير إلى أن الفوج قاطَعَ كلام الخزنة بتعجيل الاعتراف بما وبّخوهم عليه وذلك من شدة الخوف.

وكان جوابهم جواب المتحسر المتندم؛ فابتدأوا الجواب دفعة بحرف بلى} المفيد نقيض النفي في الاستفهام، فهو مفيد معنى: جاءنا نذير.

ولذلك كان قولهم: {قد جاءنا نذير} موكداً لما دلت عليه {بلى}، وهو من تكرير الكلام عند التحسر، مع زيادة التحقيق ب {قد}، وذلك التأكيد هو مناط الندامة والاعتراف بالخطأ.

وجملة: {إن أنتم إلاَّ في ضلال كبير} الأظهر أنها بقية كلام خزنة جهنم فصل بينها وبين ما سبقها من كلامهم اعتراضُ جوابِ الفوج الموجه إليهم الاستفهام التوبيخي كما ذكرناه آنفاً، ويؤيد هذا إعادة فعل القول في حكاية بقية كلام الفوج في قوله تعالى: {وقَالوا لو كنا نسمع} [الملك: 10] الخ لانقطاعه بالاعتراض الواقع خلال حكايته.

ويجوز أن تكون جملة {إن أنتم إلا في ضلال كبير} من تمام كلام كل فوج لنذيرهم.

وعموم {شيء} في قوله: {ما نزَّل الله من شيء} المرادِ منه شيء من التنزيل، يدل على أنهم كانوا يحيلون أن يُنزل الله وحياً على بشر، وهذه شنشنة أهل الكفر قال تعالى: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} وقد تقدم في آخر [الأنعام: 91].

ووصف الضلال ب {كبير} معناه شديد بالغ غاية ما يبلغ إليه جنسه حتى كأنه جسم كبير.