فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ} (9)

{ قالوا بلى } مستأنفة جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل فماذا قالوا بعد هذا السؤال ، فقال : قالوا بلى { قد جاءنا } أي جاء كلا منا { نذير } فأنذرنا وخوفنا وأخبرنا بهذا اليوم ، أو هذا من كلام الفوج ، وكل فوج له نذير ، فلا يحتاج إلى التأويل ، وهذا اعتراف منهم بعدل الله ، وإقرار بأنه تعالى أزاح عللهم ببعث الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه ، وجمعوا بين حرف الجواب ونفس الجملة المفادة به تأكيدا ، إذ لو اقتصروا على " بلى " لفهم المعنى ، ولكنهم صرحوا بالمفاد بلى تحسرا وزيادة ندم في تفريطهم وليعطفوا عليه قولهم .

{ فكذبنا } ذلك النذير في كونه نذيرا من جهته تعالى { وقلنا } في حق ما تلاه علينا من الآيات إفراطا في التكذيب { ما نزل الله } على أحد { من شيء } من الأشياء فضلا عن تنزيل الآيات على ألسنتكم من الوعد والوعيد وغيرهما .

{ إن أنتم إلا في ضلال كبير } أي في ذهاب عن الحق وبعد عن الصواب ، وخطأ عظيم لا يقادر قدره . وهذا يحتمل أن يكون من كلام الكفار للنذر ، وأن يكون من كلام الخزنة للكفار على إرادة القول ، ومرادهم بالضلال الهلاك ، أو سموا جزاء الضلال باسمه كما يسمى جزاء السيئة والاعتداء سيئة ، وهذا يسمى المشاكلة في علم البيان ، وأن يكون من كلام الرسل للكفرة وقد حكوه للخزنة ، والاحتمال الأول هو الذي استظهره جمهور المفسرين .