في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَٰهَا فِتۡنَةٗ لِّلظَّـٰلِمِينَ} (63)

ولكي يتضح الفارق الهائل بين هذا النعيم الخالد الآمن الدائم الراضي ؛ والمصير الآخر الذي ينتظر الفريق الآخر . فإن السياق يستطرد إلى ما ينتظر هذا الفريق بعد موقف الحشر والحساب الذي ورد في مطلع المشهد الفريد :

( أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم ! إنا جعلناها فتنة للظالمين . إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم . طلعها كأنه رؤوس الشياطين . فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون . ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم . ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ) . .

أذلك النعيم المقيم خير منزلاً ومقاماً أم شجرة الزقوم ?

وما شجرة الزقوم ?

( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم . طلعها كأنه رؤوس الشياطين ) . .

والناس لا يعرفون رؤوس الشياطين كيف تكون ! ولكنها مفزعة ولا شك . ومجرد تصورها يثير الفزع والرعب . فكيف إذا كانت طلعاً يأكلونه ويملأون منه البطون ? !

لقد جعل الله هذه الشجرة فتنة للظالمين . فحين سمعوا باسمها سخروا وقالوا : كيف تنبت شجرة في الجحيم ولا تحترق . وقال قائل منهم هو أبو جهل ابن هشام يسخر ويتفكه : " يا معشر قريش هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد ? قالوا : لا : قال عجوة يثرب بالزبد ! والله لئن استمكنا منها لنزقمنها تزقماً " ! ولكن شجرة الزقوم هذه شيء آخر غير ذلك الطعام الذي كانوا يعرفون !

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّا جَعَلۡنَٰهَا فِتۡنَةٗ لِّلظَّـٰلِمِينَ} (63)

قوله : { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ } جعل الله شجرة الزقوم محنة وابتلاء للظالمين الخاسرين في الدنيا ثم يبوءون بالأكل منها في النار يوم القيامة . والمشركون لما سمعوا أن شجرة الزقوم تنبت في النار قالوا متهكمين مستسخرين : كيف يمكن ذلك والنار تحرق الشجر . وكذا قال أبو جهل . وقال أيضا على سبيل الإنكار والتكذيب والاستخفاف بها : والله ما نعلم ما الزقوم إلا التمر والزبد فتزقَّموا . وهذا من حماقة المشركين وسخفهم . فلو تفكروا قليلا لأيقنوا أن الله قادر على إنبات الشجر في النار من غير أن تحرقه . فإن الله بثَّ في النار صفة الحرق ، وهو سبحانه قادر على نزع هذه الصفة متى شاء ؛ فهو خالق الأشياء والذوات والصفات وهو بقدرته وعلمه تجري الأمور والأحداث والظواهر .

وكذلك فإن الزقوم ضرب من البلاء والتعذيب يُسامُهُ الظالمون الخاسرون وهم يتقاحمون في النار .