في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ} (38)

وفي ظل هذه الذكرى ، وارتجاف القلوب من تصورها ، يقودهم إلى النظر في تصميم السماوات والأرض ؛ وتنسيق هذا الكون ؛ وما يبدو وراء هذا التنسيق من قصد وصدق وتدبير :

( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين . ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون . إن

يوم الفصل ميقاتهم أجمعين . يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون . إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم ) . .

واللفتة لطيفة ، والمناسبة بين خلق السماوات و الأرض وما بينهما وبين قضية البعث والنشور مناسبة دقيقة . ولكن الفطرة البشرية تدركها في يسر حين توجه إليها مثل هذا التوجيه .

والواقع أن تدبر ما في خلق السماوات والأرض من دقة وحكمة وقصد ظاهر وتنسيق ملحوظ ، وخلق كل شيء بمقدار لا يزيد ولا ينقص عن تحقيق الغاية من خلقه ، وتحقيق تناسقه مع كل شيء وحوله ، وظهور القصد في خلق كل شيء بالقدر والشكل الذي خلق به ، وانتفاء المصادفة والبعث في أي جانب صغر أو كبر في تصميم هذه الخلائق الهائلة وما فيها من خلائق دقيقة لطيفة .

الواقع أن تدبر هذا كله يوقع في النفس أن لهذا الخلق غاية فلا عبث فيه ؛ وأنه قائم على الحق فلا باطل فيه . وأن له نهاية لم تأت بعد ، ولا تجيء بالموت ، بعد هذه الرحلة القصيرة على هذا الكوكب . وأن أمر الآخرة ، وأمر الجزاء فيها حتم لا بد منه من الناحية المنطقية البحتة لهذا التصميم المقصود في بناء هذه الحياة وهذا الوجود . حتى تتحقق به النهاية الطبيعية للصلاح والفساد في هذه الحياة الدنيا . هذا الصلاح وهذا الفساد اللذان ركب الإنسان على أساس الاستعداد لهما ؛ وظهور جهده هو وإرادته في اختيار أحدهما ، وتلقي جزاء هذا الاختيار في نهاية المطاف .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ} (38)

قوله : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين 38 ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون 39 إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين 40 يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون 41 إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم } .

يخبر الله عن مطلق عدله وعن تنزيهه الكامل لنفسه عن اللعب والعبث ، فقال سبحانه : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين } أي ما خلق الله هذين الخلقين الهائلين وما بينهما من الأجرام والخلائق على اختلافها وكثرتها للهو والعبث أو لغير غاية .