في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

28

( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ، جهنم يصلونها ، وبئس القرار ؟ ! )

( وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله . قل : تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ) . .

ألم تر إلى هذا الحال العجيب . حال الذين وهبوا نعمة الله ، ممثلة في رسول وفي دعوة إلى الإيمان ، وفي قيادة إلى المغفرة ، وإلى مصير في الجنة . . فإذا هم يتركون هذا كله ويأخذون بدله( كفرا ) ! أولئك هم السادة القادة من كبراء قومك - مثلهم مثل السادة القادة من كل قوم

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ} (28)

أعقب تمثيل الدينين ببيان آثارهما في أصحابهما . وابتُدىء بذكر أحوال المشركين لأنها أعجب والعبرة بها أولى والحذر منها مقدّم على التحلي بضدها ، ثم أعقب بذكر أحوال المؤمنين بقوله : { قل لعبادي الذين آمنوا } الخ .

والاستفهام مستعمل في التشويق إلى رؤية ذلك .

والرؤية هنا بصرية لأن متعلقها مما يرى ، ولأن تعدية فعلها ب { إلى } يرجح ذلك ، كما في قوله : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } [ سورة البقرة : 258 ] .

وقد نزل المخاطب منزلة من لم ير . والخطاب لمن يصح منه النظر إلى حال هؤلاء الذين بدلوا نعمة الله مع وضوح حالهم .

والكفر : كفران النعمة ، وهو ضد الشكر ، والإشراك بالله من كفران نعمته .

وفي قوله : { بدلوا نعمة الله كفراً } محسن الاحتباك . وتقدير الكلام : بدلوا نعمة الله وشُكرَها كفراً بها ونقمةً منه ، كما دل عليه قوله : { وأحلوا قومهم دار البوار } الخ .

واستعير التبديل لوضع الشيء في الموضع الذي يستحقه شيء آخر ، لأنه يشبه تبديل الذات بالذات .

والذين بدلوا هذا التبديل فريق معرفون ، بقرينة قوله : { ألم تر إلى الذين } ، وهم الذين تلقوا الكلمة الخبيثة من الشيطان ، أي كلمة الشرك ، وهم الذين استكبروا من مشركي أهل مكة فكابروا دعوة الإسلام وكذّبوا النبي صلى الله عليه وسلم وشرّدوا من استطاعوا ، وتسببوا في إحلال قومهم دار البوار ، فإسناد فعل { أحلوا } إليهم على طريقة المجاز العقلي .

ونعمة الله التي بدلوها هي نعمة أن بوّأهُم حرمه ، وأمنهم في سفرهم وإقامتهم ، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ، وسلمهم مما أصاب غيرهم من الحروب والغارات والعدوان ، فكفروا بمن وهبهم هذه النعم وعبدوا الحجارة . ثم أنعم الله عليهم بأن بعث فيهم أفضل أنبيائه صلى الله عليهم جميعاً وهداهم إلى الحق ، وهيّأ لهم أسباب السيادة والنجاة في الدنيا والآخرة ، فبدّلو شكر ذلك بالكفر به ، فنعمة الله الكبرى هي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوة إبراهيم وبنيّته عليهم السلام .

وقومهم : هم الذين اتبعوهم في ملازمة الكفر حتى ماتوا كفاراً ، فهم أحق بأن يضافوا إليهم .

والبوار : الهلاك والخسران . وداره : محله الذي وقع فيه .

والإحلال بها الإنزال فيها ، والمراد بالإحلال التسبب فيه ، أي كانوا سبباً لحلول قومهم بدار البوار ، وهي جهنم في الآخرة ، ومواقع القتل والخزي في الدنيا مثل : موقع بدر ، فيجوز أن يكون { دار البوار } جهنم ، وبه فسر علي وابن عبّاس وكثير من العلماء ، ويجوز أن تكون أرض بدر وهو رواية عن علي وعن ابن عباس .

واستعمال صيغة المضي في { أحلوا } لقصد التحقيق لأن الإحلال متأخر زمنه فإن السورة مكية .

والمراد ب { الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار } صناديد المشركين من قريش ، فعلى تفسير { دار البوار } بدار البوار في الآخرة يكون قوله { جهنم } بدلاً من { دار البوار } وجملة { يصلونها } حالاً من { جهنم } ، فتخص { دار البوار } بأعظم أفرادها وهو النار ، ويجعل ذلك من ذكر بعض الأفراد لأهميته .