في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ} (23)

فهذه صفة الرسول الذي حمل القول وأداه ، فأما الرسول الذي حمله إليكم فهو( صاحبكم ) . . عرفتموه حق المعرفة عمرا طويلا . فما لكم حين جاءكم بالحق تقولون فيه ما تقولون . وتذهبون في أمره المذاهب ، وهو( صاحبكم )الذي لا تجهلون . وهو الأمين على الغيب الذي يحدثكم عنه عن يقين :

( وما صاحبكم بمجنون . ولقد رآه بالأفق المبين . وما هو على الغيب بضنين . وما هو بقول شيطان رجيم . فأين تذهبون ? إن هو إلا ذكر للعالمين ) . .

ولقد قالوا عن النبي الكريم الذي يعرفونه حق المعرفة ، ويعرفون رجاحة عقله ، وصدقه وأمانته وتثبته ، قالوا عنه : إنه مجنون .

وإن شيطانا يتنزل عليه بما يقول . قال بعضهم هذا كيدا له ولدعوته كما وردت بذلك الأخبار . وقاله بعضهم عجبا ودهشة من هذا القول الذي لا يقوله البشر فيما يألفون ويعهدون . وتمشيا مع ظنهم أن لكل شاعر شيطانا يأتيه بالقول الفريد . وأن لكل كاهن شيطانا يأتيه بالغيب البعيد . وأن الشيطان يمس بعض الناس فينطق على لسانهم بالقول الغريب ! وتركوا التعليل الوحيد الصادق ، وهو أنه وحي وتنزيل من رب العالمين .

فجاء القرآن يحدثهم في هذا المقطع من السورة عن جمال الكون البديع ، وحيوية مشاهده الجميلة . ليوحي إلى قلوبهم بأن القرآن صادر عن تلك القدرة المبدعة ، التي أنشأت ذلك الجمال . على غير مثال . وليحدثهم بصفة الرسول الذي حمله ، والرسول الذي بلغه . وهو صاحبهم الذي عرفوه . غير مجنون . والذي رأى الرسول الكريم - جبريل - حق الرؤية ، بالأفق المبين الواضح الذي تتم فيه الرؤية عن يقين . وأنه [ صلى الله عليه وسلم ] لمؤتمن على الغيب ، لا تظن به الظنون في خبره الذي يرويه عنه ، فما عرفوا عنه إلا الصدق واليقين . ( وما هو بقول شيطان رجيم )فالشياطين لا توحي بهذا النهج القويم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ} (23)

والضمير في { رآه } : جبريل عليه السلام ، وهذه الرؤية التي كانت بعد أمر غار حراء حين رآه على كرسي بين المساء والأرض ، وقيل هذه الرؤيا التي رآه عند سدرة المنتهى في الإسراء ، وسمى ذلك الموضع أفقاً مجازاً ، وقد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم رؤية ثانية بالمدينة ، وليست هذه ، ووصف الأفق ب { المبين } ، لأنه كان بالشرق من حيث تطلع الشمس ، قاله قتادة وأيضاً فكل أفق فهو في غاية البيان

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ} (23)

عطف على جملة : { وما صاحبكم بمجنون } [ التكوير : 22 ] .

والمناسبة بين الجملتين أن المشركين كانوا إذا بلغهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أنه نَزل عليه جبريل بالوحي من وقت غار حراء فما بعده استهزأوا وقالوا : إن ذلك الذي يتراءى له هو جنّي ، فكذبهم الله بنفي الجنون عنه ثم بتحقيق أنه إنما رأى جبريل القويّ الأمين . فضمير الرفع عائد إلى صاحب من قوله : { وما صاحبكم } وضمير النصب عائد إلى { رسول كريم } [ التكوير : 19 ] ، وسياق الكرم يبين معاد الرائِي والمرئي .

و« الأفُق » : الفضاء الذي يبدو للعين من الكُرة الهوائية بين طرفي مطلع الشمس ومغربها من حيث يلوح ضوء الفجر ويبدو شَفق الغروب وهو يلوح كأنه قبة زرقاء والمعنى رآه ما بين السماء والأرض .

و { المبين } : وصف الأفق ، أي للأفق الواضح البيّن .

والمقصود من هذا الوصف نعت الأفق الذي تراءى منه جبريل للنبيء عليهما الصلاة والسلام بأنه أفق واضح بيّن لا تشتبه فيه المرئيات ولا يتخيل فيه الخيال ، وجُعلت تلك الصفة علامة على أن المرئي ملَك وليس بخيال لأن الأخيلة التي يتخيلها المجانين إنما يتخيلونها على الأرض تابعةً لهم على ما تعودوه من وقت الصحة ، وقد وَصَف النبي صلى الله عليه وسلم المَلَك الذي رآه عند نزول سورة المدثر بأنه على كُرسي جالس بين السماء والأرض ، ولهذا تكرر ذكر ظهور المَلَك بالأفق في سورة النجم ( 5 9 ) في قوله تعالى : { علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى } إلى أن قال : { أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى } [ النجم : 12 15 ] الآيات ، قيل : رأى النبي جبريل عليهما السلام بمكة من جهة جبل أجياد من شرقيّه .