في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَبِثُواْ فِي كَهۡفِهِمۡ ثَلَٰثَ مِاْئَةٖ سِنِينَ وَٱزۡدَادُواْ تِسۡعٗا} (25)

وإلى هنا لم نكن نعلم : كم لبث الفتية في الكهف . فلنعرفه الآن لنعرفه على وجه اليقين :

( ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين ، وازدادوا تسعا ) .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَبِثُواْ فِي كَهۡفِهِمۡ ثَلَٰثَ مِاْئَةٖ سِنِينَ وَٱزۡدَادُواْ تِسۡعٗا} (25)

قال قتادة ومطر الوراق وغيرهما { ولبثوا في كهفهم } الآية حكاية عن بني إسرائيل أنهم قالوا ذلك ، واحتجا بأن قراءة عبد الله بن مسعود ، وفي مصحفه : «وقالوا لبثوا في كهفهم » ، وذلك عند قتادة ، على غير قراءة عبد الله ، عطف على { ويقولون سبعة } [ الكهف : 22 ] ، ذكر الزهراوي ، ثم أمر الله نبيه بأن يرد العلم إليه رداً على مقالهم وتقييداً له ، قال الطبري : وقال بعضهم : لو كان ذلك خبراً من الله ، لم يكن لقوله { قل الله أعلم بما لبثوا } وجه مفهوم .

قال القاضي أبو محمد : أي ذهب بهذا القائل ، وما الوجه المفهوم البارع إلا أن تكون الآية خبراً عن لبثهم ، ثم قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم { قل الله أعلم بما لبثوا } فخبره هذا هو الحق من عالم الغيب فليزل اختلافكم أيها المخرصون ، وقال المحققون : بل قوله تعالى : { ولبثوا في كهفهم } الآية خبر من الله تعالى عن مدة لبثهم ، ثم اختلف في معنى قوله بعد الإخبار { قل الله أعلم بما لبثوا } فقال الطبري : إن بني إسرائيل اختلفوا فيما مضى لهم من المدة بعد الإعثار عليهم إلى مدة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم إنهم لبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين ، فأخبر الله نبيه أن هذه المدة في كونهم نياماً ، وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر ، فأمره الله أن يرد علم ذلك إليه فقوله على هذا التأويل { لبثوا } الأول ، يريد في نوم الكهف ، و { لبثوا } الثاني : يريد بعد الإعثار موتى إلى مدة محمد عليه السلام ، إلى وقت عدمهم بالبلى ، على الاختلاف الذي سنذكره بعد ، وقال بعضها إنه لما قال : { وازدادوا تسعاً } لم يدر الناس أهي ساعات ، أم أيام ، أم جمع ، أم شهور ، أم أعوام . واختلف بنو إسرائيل بحسب ذلك ، فأمره الله برد العلم إليه ، يريد في التسع فهي على هذا مبهمة ، وظاهر كلام العرب والمفهوم منه أنها أعوام ، والظاهر من أمرهم أنهم قاموا ودخلوا الكهف بعد عيسى بيسير ، وقد بقيت من الحواريين بقية ، وحكى النقاش ما معناه : أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية بحساب الأمم ، فلما كان الإخبار هنا للنبي العربي ذكرت التسع ، إذ المفهوم عنده من السنين القمرية ، فهذه الزيادة هي ما بين الحسابين ، وقرأ الجمهور «ثلاثمائةٍ سنينَ » بتنوين مائة ونصب «سنينَ » على البدل من «ثلاثمائةٍ » ، وعطف البيان ، وقيل على التفسير والتمييز{[7786]} وقرأ حمزة والكسائي ويحيى وطلحة والأعمش بإضافة «مائة » إلى «سنين » ، وترك التنوين ، وكأنهم جعلوا «سنين » بمنزلة سنة ، إذ المعنى بهما واحد قال أبو علي : إذ هذه الأعداد التي تضاف في المشهور إلى الآحاد نحو ثلاثمائة رجل وثوب ، قد تضاف إلى الجموع ، وأنحى أبو حاتم على هذه القراءة ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود : «ثلاثمائة سنة » ، وقرأ الضحاك «ثلاثمائة سنون » ، بالواو ، وقرأ أبو عمرو بخلاف : «تَسعاً » بفتح التاء ، وقرأ الجمهور «تِسعاً » بكسر التاء .


[7786]:وحكى أبو البقاء أن قوما أجازوا أن يكون [سنين] بدلا من [مائة]؛ لأن [مائة] في معنى (مئات). وقال أبو حيان الأندلسي في (البحر الوسيط): "فأما عطف البيان فلا يجوز على مذهب البصريين، وأما نصبه على التمييز فالمحفوظ من لسان العرب المشهور أن (مائة) لا يفسر إلا بمفرد مجرور، وأن ما سمع من قولهم: "إذا عاش الفتى مائتين عاما" من الضرورات، ولاسيما وقد انضاف إلى ذلك كون [سنين] جمعا".