في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ} (14)

ومن وراء المصارع كلها تفيض الطمأنينة على القلب المؤمن وهو يواجه الطغيان في أي زمان وأي مكان . ومن قوله تعالى : " إن ربك لبالمرصاد " تفيض طمأنينة خاصة . فربك هناك . راصد لا يفوته شيء . مراقب لا يند عنه شيء . فليطمئن بال المؤمن ، ولينم ملء جفونه . فإن ربه هناك ! . . بالمرصاد . . للطغيان والشر والفساد

وهكذا نرى هنا نماذج من قدر الله في أمر الدعوة ، غير النموذج التي تعرضه سورة البروج لأصحاب الأخدود . وقد كان القرآن - ولا يزال - يربي المؤمنين بهذا النموذج وذاك . وفق الحالات والملابسات . ويعد نفوس المؤمنين لهذا وذاك على السواء . لتطمئن على الحالين . وتتوقع الأمرين ، وتكل كل شيء لقدر الله يجريه كما يشاء .

" إن ربك لبالمرصاد " . . يرى ويحسب ويحاسب ويجازي ، وفق ميزان دقيق لا يخطئ ولا يظلم ولا يأخذ بظواهر الأمور لكن بحقائق الأشياء . . فأما الإنسان فتخطئ موازينه وتضل تقديراته ، ولا يرى إلا الظواهر ، ما لم يتصل بميزان الله :

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ} (14)

( والمرصاد ) و " المرصد " موضع الرصد قاله اللغويون أي أنه عند لسان كل قائل ومرصد لكل فاعل ، وعلى هذا التأويل في المرصاد جاء جواب عامر بن عبد قيس لعثمان رضي الله عنه حين قال له : أين ربك يا أعرابي ؟ قال بالمرصاد ويحتمل أن يكون ( المرصاد ) في الآية اسم فاعل كأنه تعالى قال : لبالراصد فعبر ببناء المبالغة{[11798]} ، وروي في بعض الحديث إن على جسر جهنم ثلاث قناطر على إحداهما الأمانة وعلى الأخرى الدم وعلى الأخيرة الرب تبارك وتعالى فذلك قوله { إن ربك لبالمرصاد } {[11799]}


[11798]:ذكر أبو حيان في البحر المحيط كلام ابن عطية هذا، وعلق عليه بقوله: "ولو كان كما زعم لم تدخل الباء، لأنها ليست في مكان دخولها لا زائدة ولا غير زائدة".
[11799]:أخرجه الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن سالم بن أبي الجعد، وأخرج مثله ابن جرير عن عمرو بن قيس، ولم يرفعه أي منهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم. (الدر المنثور).